شعرية البوح في ديوان - وهج الكلمات

 

محمد حيفاوي

ديوان " وهج الكلمات " :

 

  البوح هو عتبة أولى لفضّ النسيج المجتمعي ، يكشف عن ألوانه، ويفككه ، ويحاول أن يعيد نسيجه من جديد ، إذ أن في البوح ثمة ما يقال ، بعيداً عن تقنية الإشباع التي تلجأ إليها شعرية الأسئلة ، فالفارق بينهما واضح جلي ، فالبوح هو رسم نقلي كائن في الذات ، والأسئلة هي رسم وضعي متجدد وفق ما تراه الذات من متغيرات ، تطرأ على الزمان والمكان .

   ومن مآثر البوح في النصّ الشعري ، أنها لا تترك مجالاً للتأويل،ولا تقبل القسمة على اثنين، وهي في شروعها للرسم النقلي،تخرج من كونها بوحاً ، إلى فضاء الخطاب المعرفي، فالبوح في ديوان " وهج الكلمات " للشاعر محمد حيفاوي ، يأخذ موضوعات متعددة ، " الغناء ، الغزل الرثاء، الحنين ، الوعظ ، الفخر ، إلى غيرها من الموضوعات التي تتصف بالحساسية المتوهجة ، فلا تكاد تلمس في الغناء سوى البوح ، وفي الرثاء بوح  وفي الحنين بوح ، وفي الوعظ بوح ، ...إلخ.

" المجد في برديك عامر

               والعزّ من عطفيك ظاهر

يا موطني إن لم نفاخر

                  فيك نحن بمن نفاخر

لو كان حبك قاتلي

             أو كان من إحدى الكبائر

فأنا المتيم في هواك

               وفي هواك أنا أجاهر"

  ولا أرى من أثر منعكسٍ عن طاقة الموضوعات التي يطرحها الشاعر ، إلا أثر العبور إلى المفردات الأقرب من فضاء البوح ، فهو في طريقه للفخر،يدخل في بناء ملمح غنائي قادر على مزاوجة الحسّ الداخلي للذات مع الحسّ الجمعي ، وكأنه عبر غنائية الفخر أراد الكشف عن محارة الداخل ، والهوى الذي يسكنه ، وما كان ليستطيع أن يبوح به ، لولا موضوعة الفخر .

"سأظهر للآنام ما كان خافيا

                وما كنت قبل الآن للناس شاكيا

فقد كنت قبل الناس أشحذ همتي

                وما كنت يوماً في المكارم ثانيا

فلما رماني الدهر رمية حاذق

               وجدت من الأيتام من بات باكيا

رثيت رياض الخير بعد جفافها

               وما كنت قبل اليوم أهوى المراثيا

وجدت رداء العمر يخفي مصائباً

             وليس سوى الرحمن يدري مصابيا"

  وتتفتح طاقة البوح وشعريتها على الإمساك بالأثر ، لجهة اتصاله بما هو حسّي ، ينطبع على الذات وتقلباتها ، فما من أثرٍ يظهر على شاشة الرؤية إلا وله ما يوازيه من المعنى ، الذي يضبط إيقاع الذات ، لتسترسل في قراءة معطياتها ، وتحركها باتجاه المتخيّل الذي يمرّ عبر قنوات الموضوعات  فالمتخيّل في شعرية البوح،هو أثر موضوعي مقابل ، تنعكس من خلاله المفردات .

"هل ينفع الدمع في إطفاء آلامي

               أو ينفع الطبّ في خفّاقي الدامي؟

هول المصيبة أعماني فلا عجب

          إن مات بعضي بموت الملهم السامي

لو تعلمون الذي أرثيه نبض دمي

             وصحبة العمر تاج الرأس والهام

هذا كتابك شمس لا مغيب لها

                 من ذا يوقعه في بؤس أيامي"

  وإذا كان البوح هو أثر نفسي ، فإن شعريته تكمن في الأثر الغنائي ، لغايات تجديد حيوية الذات ، ولا يمكن الإمساك بهذا الأثر الغنائي ، إلا عبر بناء درامي ، تبدأ فيه اللغة بالاتساع والكشف والتنقّل عبر حركة المتخيّل المبني على الوحدات المتفرعة من شبكة العلاقات القائمة على الحواس .

"صعقت فؤادي ظبية فتانة

              فنسيت نفسي في رؤى الآرام

ما كنت أعرف ما الهوى أو سقمه

                حتى ابتليت به فكان سقامي

أنا ما بلغت من الهوى يا صاحبي

               رغم العناء المرّ سنّ فطامي


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x