شعرية الفكرة في ديوان - بعض من كلمة

 

محمد الخطيب

                                   ديوان " بعض من كلمة " :

 


   ثمة منجل ينهض بالعملية الشعرية في أوج تفتحها ، لجهة المعنى المرتبط ارتباطاً أوليّاً باللفظ ، فلا يكاد يمرّ على تربة لغوية، إلا وحصد منها ما يرى أنه قابل للتروية والنمو،بعيداً عن الحساسية التي تتوافد على المتن الشعري ، لجهة ارتباطها بالخيال.

   وإذا كان هذا المنجل يعمل على حفر التربة ، في طريقة الآلية التي يقوم عليها ، فإنه يجدد لهذه التربة حيويتها ومناخها لبذرة قادمة في فصل آخر .

   ديوان " بعض من كلمة " للشاعر محمد الخطيب ، يقترب كثيراً من آلية عمل المنجل الشعري ، في محاولة لتقريب مفاتيح النثر من دائرة الخطاب الشعري ، ومع أن هذه المراوغة التي ينتجها نصّ المنجل إذا جاز التعبير ، قادرة على الإيحاء ، وخلخلة المألوف في جانب ما ، فهي متلبسة بعمقها النثري ، لجهة ارتباطها بالفكرة ، وما تحتاجه من معاني وألفاظ .

   إن الفكرة التي يطرحها نصّ المنجل ، فكرة مذوّبة في عمق المتخيّل العادي ،فهي تأخذ من مفرداتها غاية للوصول إلى المعنى ، بأقصر الطرق .

"أغمضي عينيك

ما عاد يغري الهوى

أن ترقصي طرباً له

في حضرة الشوق

أغمضي عينيك

فبقايا عالمنا

تناثرت بين المدى

وبين شهد الريح "

    يبدو أن الفكرة مشغولة بخيال الظل، وهي تنأى به عن حاضر الكلام ، فالكلام في إطاره العام ، نسيج عفوي ، يتقدم باتجاه حرارة البوح ، وفي إطاره الخاص ، نسيج حركي ، تقوم عليه المعاني ، وتمدّه بالرؤى، من هنا يلتفت الشاعر إلى خيال الظل ، ليقدم مشروعه الشعري المبني على الفكرة ، ما بين حاضرة الكلام العام والخاص .

"لكني حين عبرت حدود الضيق

أبدلت التأويل

أسررت لنفسي

أني سأمرّ على الفكرة مثل الريح"

   إذن هو مرور خاطف باتجاه تأثيث النصّ بمحموله المغاير ، ولا يسع الشاعر عندئذ إلا أن يعزز موقفه من جملة القضايا التي تتلبس المشروع الشعري في طريق التأسيس، فالتأويل كما يرى بحاجة للمغايرة ، وتقع هذه ضمن دائرة السرّ ، لتبقى في منجمها ، حتى يأذن لها بالمرور الخاطف ، ليعالج الفكرة على نار هادئة .

"للموج مسيرة أعوام

ولهذي الذكرى

أن ترقص في ذاكرتي

لأغيب بفكري

فلعلي

أقطف وردة عشق حمراء

أو يختلط الزمن الباقي

ليلاً ليلاً .."

   إن الإيقاع المفتوح ، إيقاع المعنى ، هو أهم ما يميز شعرية الفكرة ، فهي تبقى في حراك دائم ، تتراقص في الذاكرة ، ليغيب الشاعر في خيال الظل ، منتظراً أن يقطف أبعادها ، ولو تداخل الزمن واختلط تحت ضغط الفكرة .

"هل أحجية أن نسمع صوت الريح

ونغلق كلّ الأبواب

نفتش أروقة البيت

فتلسعنا الريح ،

وتأخذنا الأفكار؟

هل أغنية ما نسمع ليلاً

أم شمس تشرق بعد غياب

وتغادر قبو الليل

تسافر صوب الريح ،

لتخترق الأوراق

وتزيل ثواني الأزمان ؟

  هكذا تكشف الفكرة عن غربتها الأولى ، بعد أن تكون قد أخذت هاجسها الكتابي الأول ، فما بين الغربة ، غربة الذات عن واقعها ، وهاجس الكتابة ، كتابة البعد الأثيري للفكرة التي يسعى الشاعر إلى تعميق جوهرها، في بناء شعري واضح المعالم ، يكون النصّ الشعري قد فتح لها طريقاً متصلاً بالواقع المتخيّل رغم بساطة التصوير .  

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x