شعرية التفاصيل في ديوان البحث عن الزنبقة البرية

 

خليل العبويني

                             ديوان " البحث عن الزنبقة البرية " :

 

     البحث عن القصّ في منازل شعرية النصّ ، يحفل بالكثير من الشروحات التي تثقل الوعي الشعري ، إن لم يستطع الشاعر التكيف مع وجهتها الدرامية ، فالبناء الدرامي المشفوع بالمتخيل ، يحتاج من الشاعر قسوة في التعامل مع مفردات القصّ ، وإلا انفتح على نثرية الخطاب  وما تحمله هذه النثرية من معان لا تنسحب على الشعرية.

    وإذا كانت صورة الاشتباك مع متطلبات الحدث ، هي منفذ الشاعر إلى الشعرية ، فإنها بالمقابل هي العائق البدهي أمام نمو حالة التكثيف التي يتطلبها اللاقط الشعري ، إن لم يحسن الشاعر معالجتها بالشكل الذي يوفر لها الحماية من تداخل الدوائر.

    ديوان " البحث عن الزنبقة البرية " للشاعر خليل العبويني ، يحمل المضمون على عاتق التفاصيل ، ولكن بأوجه مختلفة توفر له سبلاً يستطيع معها التخلص من الزوائد التي تفرضها طاقة المتابعة،والتي يبدو معها النصّ عقيماً لا نمو فيه للحالات .

" صديقي الوفيّ

إذا جاء شعري غريب النغم

فلا تتهمني بعقم المعاني

وفحش القيم

تعيس أنا ...

قد قرأت الحياة ، وأسمى الفكر

قرأت عن العدل كلّ المقالات

كلّ السير

فكانت هراء "

  هذا الوعي الإنساني الذي ينبع من فضاء الرؤيا ،يشير إلى ما ذهبنا إليه ، من صدام الفعاليات الدرامية، وهي تبحث عن القصّ في منازل النصّ ، لذا يقرر الشاعر ، ويلتمس من المتلقي ، أن يكون على حذر شديد، وهو يرى هذا الاشتباك مع التفاصيل.

"رأيتُ الفقير

يعيش الحياة بقلب كسير

يذوق العذاب ، يقاسي المآسي

وبطش الأمير

وأما الثريّ

فظلّ الاله ، ورمز الشرف

يصول عزيزاً

ويحيا مطاعاً ، عظيم الترف

يدوس القيم

يدنّس بالظلم روح الحياة "

  فالحياة أم التفاصيل وهي مخبئها اللدني ، ومن سحابة هذا المجرى الكلامي الذي يطلقه الشاعر ، تهطل الرؤى من عالمها الأثيري ، لتحقق أقصى نقطة التقاء بين الإنسان وهواجسه الطاغية على خطواته .

" الريح تنحب في ليالي الشرق

تكنس أصفر الأوراق من عفن الفصول

والموت ينزف من عيون الغيم بحراً من دماء

وطحالب التاريخ تنمو فوق أضرحة البطولة

في بلاد الذبح بالمجان

تشرب من دماء الرافضين"

  إن أول ما تستند إليه التفاصيل ، هو وعيها اللاحق بمنظومة الفكر التي  تجتاحها البنية الدرامية ، فيصبح الإمساك بأبعادها هدفاً لشعريتها ، كما أنها تشكل في قراءتها للذاكرة ، حلقة موصولة بالداخل ، تمدّ الرؤى بذخائر الواقع ، وتشهده بأن هذه الرؤى الذهنية لغايات تحريك الكاميرا باتجاه أثر التفاصيل .

" ربما تعتبر الصورة وهماً

أو أساطير خيال

أفلا يخدع لون الجسد الأخاذ عن جوهر أصله

ويغرّ الجوهر الممسوخ عين التافهين؟"

   إذن هي جوهر التفاصيل ما تسعى إليه الشعرية في قصائد الشاعر ، وليس التفاصيل بعين ذاتها ، وهذا ما يجعل للواقع أصلاً في المتخيّل الشعري ، ولو كان وهماً ، فالشاعر هو الموجه لجوهر التفاصيل ،بعد أن يتصل بالحبل السري،ويكشف عن جملة الانزياحات الغائبة عن عين المتلقي.

" في زمان الوهج الصوفي

نسقي الحرف عطر الرعشة الأولى

نتداعى ،

نركب الغيم سفينا

ونباري الريح في بحر السماء

نتفانى ،

فحياة الشعراء

سفر الأمطار في رحم الأراضي

وانبثاق النور من ينبوع أسرار الإله "     


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x