رية الخطاب في ديوان - أرض مشاكسة

 

نضال القاسم

ديوان " أرض مشاكسة "

 

   النصّ الشعري هو محط أو دائرة الانفتاح على الداخل اللامرئي ضمنيّاً ، في السياق الذي يشرع بتقديم أنموذجه التكويني  عبر مواصفات قد تبدو للوهلة الأولى غير قادرة على التشيّع للمنحى الكلامي الخاص ، ولكن هذه المواصفات في المحور التبادلي الذي ينشأ عن معاودة تبطين الكلام بمنجزه التراثي ، تبدو قابلة للظهور على شاشة اللغة ، من هنا عادة يلجأ الخطاب الشعري في قراءة المواصفات التي يقوم عليها البناء المعرفي.

    وفي مقابل شاشة اللغة تظهر شاشة الوعي الشعري الذي يفكك المواصفات ويعيد ترتيبها وفق ما تقتضيه عوامل البناء .

    عبر هذه الصيغة الدالة على الخطاب الشعري تأتي قراءتنا لشعرية الخطاب في نصوص الشاعر نضال القاسم

    الاحتفالية المشهدية لمرايا القول، هي العنصر المحرّك للنصوص لإنتاج خطاب شعري، تتجذر فيه المسميات التي تسعى إلى تحريك ميكانيكية الحياة ،وفق الانقلاب الذي يحدثه الخطاب المعرفي في الصورة ومرآتها .

"  رسمت خيولي فراشاً

رسمت سيوفي خشب

كتبت بالنيران شعري

وبعضه رسمته لهب "

   هذه المفارقة في انقلاب الصورة، هي ثمرة أولى لمعرفة سير الخطاب الشعري الذي يتباه الشاعر ،في مجمل ما يكتب من نصوص ، فالانكفاء إلى مسايرة الداخل ، يحتاج إلى خطاب داخلي لا يستند على مقوّمات الواقع ، لإبراز دور الذات في تعلقها بما وراء المسمى .

" أعود الآن من حزني

ومحتاج لعاصفة

لتزرع في دمي ثورة "

   فالخيول التي صارت فراشاً  ، والسيوف التي أضحت خشباً ، لا بدّ لعا من إيقاع معرفي تستند إليه ، وهو إيقاع مخبوء في الداخل اللامرئي ، وهي مرحلة أولى في تدوين شعرية الخطاب ، ومع ذلك تبقى صورة الخطاب ظاهرة في المنحى الكلامي .

" بعد هذا الغياب الممل نعود

فلا شيء غير الردى والهلاك

ونهتف لكننا

كاد حبل الوصال الذي بيننا

أن يذوب من الاشتياق "

  إن صورة الخطاب صورة قابلة للتظهير في التدوين الأول ، لكنها مع دوران حركة الفضاء الشعري ، تبدأ بالذوبان في الحمولة اللغوية التي ينشأ عنها التدوين الجديد للخطاب ، تدوين ظلاله الأخرى التي تقوم عليها هوية الشعر .

" قال لي لا تخف

غير أن الحمامة طارت

والفتى يرتجف

هكذا خبرتنا الحمامة

عن فتى مختلف

عن فتى يأخذ الروح كيما تغني

بعيداً بعيداً "

  هذا الانزياح عن مركزية الخطاب ، يقابله انكشاف دائرة اللامرئي ، وهي تمور بما يحقق لها حضورها المرئي ، عبر وساطة القول وفعاليته الشعرية .

" سألقي عليكم همومي

واني سأرحل عما قريب

لأرض بعيدة "

   وهذا الحضور الذي يشهد تغيير الموصفات ، مواصفات الخطاب ، يبقى يقظاً أمام حركة الداخل وانشغالاتها بترتيب آليات الخروج ، خشية الهبوط على أرض يباس .

" يا وطني الصاخب

قد نبدأ منذ اليوم العودة

فتعجّل

وابدأ

في صنع القارب "

   وإذا كان هذا الهبوط يحمل في سلالمه نشوة عودة الخطاب، إلى مهده الأول بعد تحركاته الكيانية ، فإن المساحات المعرفية التي يستدعيها ، هي مساحات متراكمة في الذاكرة ، تفتح الباب أمام مخيلة الخطاب ، ليسير في بنية درامية تحقق له الحضور اللائق .

" قد عادت الخيل ، ولكن لم يعد

فوقفت حد الباب أنتظر الولد

ما قلت أتعبني الغياب ، وهدني

لكنني أسررت قد مات الولد "

   ومع هذا الإيقاع الدرامي المتسارع ،الذي يحيل الفواصل الكلامية إلى رؤى مشهدية، قادرة على تبويب خيارات الخطاب، تتجسد المعطيات الذهنية في حلقة دائرية تتصل بالمواصفات ، تاركة للجزئيات أن تحدد معالم الخطاب .

" تركت وصاياي على شرفة للزمان

شراعاً يرفرف للقادمين

وبيتاً في شغاف القلب كان

وخمس جهات

لدمع أمي

ويوماً حزين "

  إنها حالة مرنة تلك التي يقودها الخطاب في مقابل تدوين الفكرة ، عبر وسيلتي القبض والبسط ، قبض المواصفات وتحريكها وفق المنحى الشعري ، وبسطها وفق فضاء الرؤى التي يقوم عليها الخطاب .

" كثيرون مروا على جثتي

والطريق

مطفأ في مساء الأحد

كثيرون مروا على جثتي كالزبد

كثيرون مروا على القلب ، لكن

لم يعش منهم أحد "

   هذا هو خطاب نضال القاسم الشعري ، يمرّ بمدونتين ، مدوّنة تحمل في مواصفاتها بنية اللغة القابضة على الواقع ، وبنية تقوم على تحريك الداخل .

" وأنا مكاني ، أستظلّ بدهشتي "

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x