أنور
الأسمر
ديوان
" مرثاة الغريب " :
تبدأ رحلة الكشف عن
النصّ الشعري ، من إدراك الذات بأنها تحت تأثير ما يمكن أن نسميه حالة فقدان
للحواس ، فهي أمام هذا الفقد تبدأ بالبحث عن وجودها المكاني والزماني ، من خلال
إطلاق بعضاً من جزئياتها ، لتستقر هذه الجزئيات على ما يقابلها من جزئيات الواقع .
وفي سعيها للكشف عن هذه الجزئيات ، تستعين
الذات بمحركها السردي والراوي ، الضمير الذي يكشف بدوره عن مفاصل الفقد ، في
محاولة لإعادة التوازن .
إن اشتغال الضمير في مسيرته على رؤيته الخاصة
وتقلباته ، هو ما نعنيه بشعرية الضمير ، والذي سنبحث من خلالها عن تغير الذات
باختلاف المكان في تجربة الشاعر أنور الأسمر .
إن التحولات التي تطرأ على المكان ،بصفته
شاهداً على جملة التغيرات التي تصيب الذات ، تحتم على الشاعر أن يقف كالجبل في
مواجهة هذه التغيرات ، عبر تمرير الإشارات الجزئية التي تقوم عليها شعرية الضمير .
"
وداعاً لصورة
تهرب
من المرايا
وتغرق
في بحيرات صمتي "
إذن أوّل ما يتبادر للذات في مواجهة هذه
المتغيرات الطارئة ، هو الانكشاف على نفسها ، لغايات تحصين الجزئيات التي ستلحق بدائرة
الصمت ، بعد أن تكون قد فتحت منزلتها على الحقيقة ، وفي هذا يعاين الشاعر المؤثر
الداخلي والخارجي ، بما يتوافق مع رؤية الضمير ، لهذا يسعى إلى تصدير صور أكثر
وعياً لحاجة الذات .
"
خارج الجرح
أعدّ
السفينة "
بعد هذه المعاينة ، يعمل الضمير على معاينة
جملة التقلبات الكونية ، بالبحث عن أقانيم جديدة لحياة الذات التي تتفاجأ بحالات
الانفصام ، التي يحاول الشاعر قراءتها لاسترداد عافية الذات .
"
الدبابة
فكرة
تمرّ على التلفاز
تقصفنا
ونحرسها
وتلهو
فراشة
في ديباجة لموت الجديد "
الانفصام عن الأمكنة يحتاج إلى شواهد أكثر
وعياً ، لأن الذات باتصالها بالضمير المستتر في الخطاب ، قادرة على منح تأشيرة
مرور للغة غير كامنة ، بل تتجه باللغة إلى فضاء لا يحدّه مكان ، هذا المكان الذي
يقابل المتغيرات التي تطرأ على الذات في سياقها المعرفي .
"
لم تتسع الأغنيات
لصدره
لم
تفتح له امرأة صدرها
وطناً
لتسكنه "
إن الخطاب الذي يحاول الشاعر من خلاله ، توريط
الأمكنة للكشف عن براكينها الخفية ، هو خطاب يستمدّ وعيه من الضمير الذي يؤمن
باختزال المتغيرات ، وفق شروط الانتقال من دائرة وهمية إلى دائرة مرئية .
"
سلام
لفضة
الضمير
برق
الكرامة
لنبع
يصب
شكلي في وريدي
لباب
النصر المفتوح
على
جنوب الروح
وروح
الجنوب سلام "
وبعد أن يستدعي وعيه التام ،يجد بأن كلّ شيْ
يلمسه الضمير قابل للمراوغة والانتفاء .
"
العمر أسرع من تتابع موجتين
الوقت
خارج الوقت يمشي
على
قدمين مكسورتين
في
فضاء الغياب
العمر
ضلّ الطريق بين موجتين
لم
يعثر على نبض في الطريق
ولكن
خلفه روحه
سيجت
صمته
في
مراياها "
إذن لم يبق من مكان يليق بهذه الذات الشاعرة ،
لذلك تتصاعد وتيرة اللغة الشعرية للكشف عن شعرية الضمير التي تستكين إلى أحوالها
ومقاماتها ، بعيداً عن صخب الأمكنة .
"
ربما نرتب اسماً جديداً
ربما
نعثر على لغة
توضح
عنواناً نسيناه
على
جناح قبلة
ربما
نلتقي بأرواحنا
وهي
تفتح نافذة على عجوز
تفتش
في بياض جديلتها
عن
قرية لأسمائنا "
لا تستطيع الذات أن تشكل وعيها ،دون استلهام
الضمير، وما ينتج عنه من شعريات متقدمة على الرؤى ، لهذا تتقدم اللغة لتستدعي
المتخيل الذي ينضاف إلى الضمير لقراءة المتغيرات ، وهي بذلك تفتح الطريق أمام
الشاعر ليقول كلّ شيء دون رقابة .