شعرية المجال في ديوان - حتف الكلمات

 

عبد الرحيم جداية

ديوان " حتف الكلمات" :

 

 

    ينهض ديوان الشاعر عبد الرحيم جداية " حتف الكلمات " من مركزية الإشارة التي تحدّد مسارات القول الشعري ،  ويبدأ هذا النهوض من أبجدية اللغة ، وانعكاساتها عبر مرآة الحروف التي تشكّل فيما بينها إيقاعات الصوت ، الدّال على خاصية المفردة ، من هنا وفي مجرى االتركيز على الأيقونات الشعرية ، ينطلق الشاعر من تلك الأحرف الصوتية المشدودة إلى علاقات التباين الحسي والنفسي ،

تبدأ القصيدة الأولى \ من ذلك الحوار الذاتي المركّب الناهض بأوردة الشعر ، في محاولة لرسم الملامح القابضة على ثنيات الشعر ، تبدأ من اجتراح قوى التمغنط الأثيري الدال على صيغ التنقل القولي المقابل لصيغ التداخل الجوفي المبطون في دوائر الذات ، المنكشفة على نفسها وحواريها

" من أين أبدأ …؟

وأنا السنين أمرّ في كلّ الحروف

في سينها .. في صادها

في عينها .. في يائية

من أين أبدأ …؟

قد غاب في صمتي الكلام

ورحلتُ في موج العيون

ورحلتُ في طيف الزمان أناجيَه "

  وإذا كانت هذه الأسئلة القابضة على انفلات الذات من عقالها ، هي المحرّك الرئيس ، لجملة المناخات الشعرية التي يستظل تحت تقلباتها الشاعر ، فإنها تشير ضمن هذه المتاحات الانعكاسية القولية  إلى انفعالات القوى المبطونة في النفس الشعري ، الذي يستمطره الشاعر من طاقة الغضب والفرح

" رأسي كماء البحر أصبح مالحا

والقلب آسن

عيني التي قد حاربت نصل السيوف

وحاورت حزن المدائن "

  إن هذا التلاطم الموجي ، والانتشار الرملي في محيط القول الشعري ، يحتاج إلى البنى الرمزية التي لا تكتفي بالإشارة ، بل تتعدى الخطاب الشعري ، إلى إنزال رؤى ذات صيغ تحفل بالانفعال أكثر من احتفالها بالتناسخ الإشاري

" يا ليتني سيزيف

لا أكتفي بالصخر أو بالمنحدر

أم أحيَ حرّاً

يا ليتني كنت الخريف

لعشقت ضيف الموت في ورق الشجر

يا ليتني كالليل أسود

أو ليت قلبي حالكاً

لنسجت جلدي من سواد الليل جلدا "

  هكذا تسمو القوى في حواس القول الشعري ، تبدأ من فاعلية التمني ، وتدخل في مجرى التغيير الدلالي ، بحيث تصبح المعادلة اللغوية غير قابلة للتشظي ، بل تتجمع في بناها الشعري ، من انعكاس اللفظ الظاهري ، حتى الانغماس في المجال الأثيري الذي تسيطر عليه الرؤى ، وتحركه كما تشاء ، ولو تنافرت الظلال عن بعضها بعضا

" رأسي كماء البحر أصبح مالحا

والملح أسود

قلبي كموج البحر أصبح صاخبا

والبحر أزبد

لكنني مثل الشواطىء والرمال

إن زارني الموج تجمد "

   وإذا كان النهوض في ديوان " حتف الكلمات " يبدأ من الأسئلة ، فإن السياق الدلالي لهذا النهوض يبدأ من دوران الحركات الساكنة في مجمل القول  لإتمام صيغ التبادل الشكلي الذي يسعى الشاعر لإقامته من متتاليات أبجدية اللغة في فضائها الشعري المنوط به صور الانعكاس والتداخل الجزئي لمعطيات الواقع ، واقع الذات أمام احتشاد الرؤى

" مهما جرى النهر ومهما هدر

ومهما تهادى

ومهما يسير إلى المنحدر

ومهما تلوى

ومهما يهيج ومهما استعر

فلا بد يوما يكف طوافا

ولا بد يوما يعود لبحري

ويسكن صدري قبيل السحر "

   إن قراءة النهوض من بحر الأسئلة ، تستوجب من الشاعر أن يكون على وفاق مع متغيرات الأحداث ، أن يسبقها حينا ، وأن يسير معها جنبا إلى جنب أحيانا أخرى ، ولكن ديوان "حتف الكلمات " وعبر المتخيل الشعري والدلالي للقول ، كان ينحى باتجاه السبق ، سبق مجرى المتغيرات " لجهة اتصاله بالواقع من جهة المضمون ، واتصاله بالمتخيل من جهة الكشف عن ثنيات الواقع

" فاليوم آن

وغدا جياد الريح تسخر بالمدى

تعلو الجبال

ويردد الصوت الصدى

فالوقت حان .. آن الأوان "

ديوان " حتف الكلمات " ينهض باللغة الإشارية كمنتج لشعرية النصّ ، إذا جاز التعبير ، تلك اللغة التي تحمل أبجديتها لإتمام صيغ القول الشعري ، بعيدا عن تجسيد المفردة في قوالب متعددة ، لغايات خدمة الخطاب الشعري في موجتيه الحسية والنفسية ، وهو ديوان تتداخل فيه الجهات الشعرية بأشكالها المتعددة ضمن سياق خطابي واحد يتجه إلى إفراغ شحنات الرؤية موصولا بمنازل الرؤى التي يستجلبها من التراث والواقع وما بينهما من متخيل شعري يسكن في متتاليات أبجدية اللغة وحروفها مستندا على آليات النهوض بصدى الصوت  

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x