شعرية الحركة ديوان سلام عليه سلام عليها - شعرية الحركة

 

شعرية الحكاية:


  تؤكّد شعرية الحكاية في الشعر العربي، أهمية تداخل الشعريات  إذ أنها تقوم على تفصيل الشعريات وفق مقتضى العمق الدلالي والسّردي، الذي يصحب اللغة، وهي تسعى للكشف عن العلائق بين الأزمنة، وإذا ما اعتبرنا الحكاية قراءة تفصيلية لهذه المدلولات، فإنها تشكّل أيضاً جسراً للعبور إلى المنظومة الإنسانية.

   عبر هذه الرؤية  يقوم ديوان " سلام عليه سلام عليها " للشاعر نايف أبو عبيد، فهو ينهل من عمق التوتر الحكائي  ويسنده برؤى ذات فعالية، قادرة على تحريك المفاصل الملتهبة، في الطروحات التي تتخذ من الشعرية ملجأ لها.

يقولون ليلى في العراق مريضة  

                     فمن يفتدي ليلى ويفدي عراقها

تحوّطها الأوغاد من كلّ جانب   

                       بكلّ حبال الغدر شدّوا وثاقها

ونادوا غثاء القوم من كلّ حانة   

                    فلم يحفظوا عهداً وباعوا نطاقها

 

وليلى كما تدرون صعب مراسها

                   فوارسها في الساح جمر حراقها 

   نحن أمام حكاية من نوع خاص، ليست  حكاية مدونة كما نعتقد إنما هي حكاية طازجة، تساير الفعل الزمني، وتقرأ متغيرات المكان، وتساهم في تعزيز حراك المؤثرات.

طويت دروبها يا صحب طيّا      

                         لألمح وجهها الحلو البهيّا

وقلت لعلني ألقى هواها          

                          كما ودعته يجري رخيّا

وزهر ربيعها البري يزهو       

                        بوادي العين كالعذرا حييا

وبين هضابها مزمار راع       

                         يرتل باسمها لحناً شجيّا

وفوق بساطها نيسان يلهو         

                          فيغدو تلّها عرساً هنيّا 

  ومن مؤثرات الحكاية، إماطة اللثام عن المعتّق الذهني، وتوفير سبل السرد الحكائي له، لغايات الكشف عن البعد النفسي المصاحب عادة لكلّ فعل توارثي.

لا تسألنّ لم أو كيف يا جاري

              سيف القريض ثوى في كفّ عيّار

هم أمّروه على دار القريض فقل  

                    هذا الزمان له للطبل والزّار

في كلّ ناد يرى لعّاق أحذيةٍ     

                     يلقي سماجته في كلّ بازار

صلّوا على الشعر يا نقّاد أمتنا

                   فقد غدا أمره في كفّ سمسار 

  وحين يشتدّ معيار الكشف الحكائي، تصبح الحكاية في مرآتها الأخرى، شكلاً من أشكال النقد، إذن لا بدّ أن تغيّر الحكاية مفرداتها  لتصبح مفردات معرفية قادرة على خوض التجربة، في نقل الحكاية  من وعائها النمطي، إلى بعدها المعرفي.

أيها الغيم المسافر

آتنا أحلى البشائر

وعلى بستان داري انثر الدرّ وسافر

أيها الغيم تمهل

كي تصير الأرض أجمل

واجعل النور سواري

ولأرض الله ارحل

أردني نور عيوني، رسمه طيّ جفوني

إنه فخر الديار

إنه سرّ فتوني

  وتنطبع الحكاية في شعرية غنائية تتوسط المعنى، وتنقله من فضاء متخيّل، إلى واقع ملموس ومحسوس، لتؤكّد على عمق جوانيتها، في محاولة لتغيير الوجه النثري، وإدخاله في الجو الشعري الأمثل، القريب من قلب المتلقي.

في زمان الجراد

يستحيل الحصاد

كومة من رماد

في ليالي السواد

وسقوط العناد

يعرض المنتمون لخراب البلاد

منجلاً في المزاد

   هي قوة نثرية دافعة باتجاه تثوير شعرية المفردات، إلى جانب أنها تخدم الشقّ النفسي للمتلقي، ومع ذلك لا تترك  شعرية الحكاية  جانباً من القضايا المعاشة، إلا وتتحرك في متونها، سعيّاً وراء خلخلة السائد، وعدم الاكتفاء بمراقبه.

قهوتي مرة نهاري ضرير          

                        وخيولي ملجومة لا تغيرُ

 ما الذي ظلّ بعد ستين عاماً؟      

                          جسد منهك وحظ عثيرُ

ما الذي ظلّ يا بقايا عيوني          

                       غير وهم على هداه أسيرُ

 وجهاز أشدّ سمعي إليه           

                    ملء أشداقه نعيقٌ وزورُ ؟

   نلاحظ بأن الحكاية في طريقها إلى فضاء السرد، تعمل عمل المتلقي، ليكون شاهداً إلى جانب كونه متلقياً، وفي المحطة الأخرى من وعي الحكاية  كاتباً، ومشاركاً  الشاعر في  سردها وكشف  خباياه، ولكن مع هذا يبقى الشاعر وحيداً في عوالمه، يبحث عن صدى الوطن ومعطياته وأسمائه.

قال لي صاحبي

إلام تنادي... موطني...  أمتي

بلادي...  بلادي

أينها أمة تنادي عليها

وعلى صدرها حذاء الأعادي

قلت يا صاحبي

كفاك ملاماً

إنها مهجتي...  وخفق فؤادي

  غير أنّ هذه المشاركة سرعان من تقيّدها رؤية الشاعر، بصفته ناهضاً بهموم الأمة، وقارئ ديوانها الإنساني، تقييد لا يلغي دور الآخر، المشاركة،  ولكنه يضع النقط على الحروف، من أجل مشاهدة واقعية لما ينتج من معضلات إنسانية، ربما لا يبصرها غير الشاعر، لسان حال أمته.

    من هنا تبرز أهمية شعرية الحكاية، في مجالها الحيوي القادم من أعماق الذاكرة الشعبية، هذا المجال الذي يعتني بأدق الأشياء التي تفرض حضورها في التاريخ الشعبي، كما وتبرز أهمية التعامل اليومي مع اللغة الملتقطة من الذاكرة الزمنية، وإدماجها في القالب السردي للحكاية،  الإدماج الذي يشكل لها طاقة زمنية دالة على الهوية الشعبية للمجتمع، بعيداً عن عصر السرعة والتحايل على مادة القول الإنساني والشعبي، لحفظ الموروثات اليومية، بدءً من المجتمع الصغير " الأسرة " وأغانيها، مروراً بالمجتمع المحلي، وعلاقات الجوار وسامرهم، وانتهاء بالمجتمع الكبير، وموروثه ألانتمائي، ومستنداته التي تؤرّخ لكلّ مراياه.

 

 

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x