شعرية السرد في ديوان آنست ناراً

قصيدة 


شعرية السرد:

    يبدو أن السرد الشعري في ديوان " آنستُ ناراً " للشاعر سهيل السيد أحمد، مردّه إلى جملة الأصوات التي تتناوب على إحالة الرؤيا إلى منبعها الأول، وإسقاطها في دائرة الوعي المحمولة على تناسخ الجمل الشعرية.

   وإذا كان السرد فضاء نقلياً، يشي بتتبع التفاصيل، وإدراجها ضمن السياق الكلامي، فإنه في الوضع الشعري لا يعدو كونه شارحاً لحراك التفاصيل.

   وبالرغم من أن الخلط الإيقاعي الذي يعززه المستوى الأول للسرد في الوضع الشعري، مبنيٌ على تمدد الجمل، فإنه في ديوان " آنست ناراً " خلط قائم على إدراك المستوى النفسي للسرد ومنتجاته من رؤى وحوار ومنولوج داخلي.

خطانا لنا

مريم تتقن هذا النزيف

تراءت لها همسة تشبه اللحن

رقّت كنسمة

قست مثل قيد... تعرّت

وعرّت نوافذها الأربعة

تحني النجوم... وتوقدها بالشموع

تجلد دفترها المدرسي

  وتبلغ حالة السرد النفسي _لقربها من المخيلة الواقعية_، أشدّ مراحل التورية، وما يعتري النفس من انتكاسات، لهذا تنفصل الذات عن صوت الشاعر، ويبقى الراوي الشعري وحده، في مواجهة اللغة وإحالاتها.

وتنصب خيمتها السحب

تعدو الجبال،

تسافر فينا مراكب

أشرعة من ظلال،

وتسكن أعيننا الريح

لا نبرح الأفق

كان التناسق في ريشة الكون

يسطو على اللون

ينتزع الكحل من مقلة الليل

يدركنا الفجر

هذا مخاض الفصول

  ومن الفعاليات التي يسلكها الراوي الشعري، فعالية جلد الذات، لبناء حالة متقدمة من الرؤى، غير الخاضعة لقانون انفلات جوهر المعنى وتصفيته لحساب الشعرية المكثفة.

سليمان يشرب شاياً

بإبريقه المتربع في موقد النار

ماذا تغير

إبريقه يتجدد

مذ سلبته المدينة هذا الوقار

تراقص في موقد الغاز

أن المدينة تسرق صمت الوقار

وطعم النبيذ

ويفقد نكهته الشاي

  ويتزايد وعي الراوي الشعري، بأهمية الخروج من متن النصّ إلى حيث تجد الذات الشاعرة نفسها، لتأنس بما وراءها، وبما يقدّمه السردُ من تفاصيل لا تراها العين، إلا بمجهر الحقيقة والتأمّل، وهما عنصران لا يتأتيان إلا بالخلوة الكاشفة.

وتصعد للطور

آنست ناراً

وهذا (...) أقلّ احتمالاً

بحكم الزمان ومأثرة السن

أكثر نضجاً من الأمس

لا تكذب الناس

اصعد ولا تخلع النعل

هذي المراسم أودى بها الفقرُ والعصرُ

فاحمل وصاياك أنّى ذهبت

   ومثل هذا الاستقرار النفسي، الذي يهيئه وعي الراوي الشعري للذات الشاعرة، تتخلله رؤية، تتقدم باتجاه تعزيز مستويات السرد، بحثاً عن تقنية يتماس معها المتلقي، وهو يلج فضاء النصّ المفتوح على التحميل والتأويل.

لا وقت للهمس

إن الخفاء ارتحال

إلى مشجب الساسة الشمع

لا وقت للسر

في زمن تتقن الصيد فيه الكلاب

ويأتون أزياء شتى

فيا ضاحك الجرح

إن الدماء تثير الغريزة عند الذئاب

  وبهذا المفهوم يصبح السرد طاقة بنائية خاضعة للشرط الشعري، متمسكة بالراوي، لأنه الوحيد القادر على التنقل بحرية بين الجزئيات، تاركاً الكليات للذات الشاعرة بعد أن تجد نفسه في حلقات جوهر المعنى.

 

 

 

 

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x