المخيم

 

المدارس


     لم تعد حبة زيت السمك تشكل رياضة صباحية بالنسبة للتلاميذ   ، ولم يعد الاصطفاف الصباحي هادئاً مثلما كان   ، فقد أصبح حراك سلوم مُدخلاً لغواية الأسئلة   ، وأصبح يشكل مفردة جديدة لم تألفها الساحة المحاطة بسور إسمنتي .

    سلوم لم يعد ذلك الطالب المشاكس   ، ولكنه أصبح أكثر عنفواناً ومرونةً   ، وأصبح محاطاً بمجرى التغيير استطاع أن يؤثث القصيدة بأوراق التلاميذ  فلا يخلو دفتر من بيان القصيدة وشكلها وشروحاتها 

_ إلى أيّ صيغة وصفة تنتمي القصيدة يا سلوم ؟

_ صيغة المبتدأ  ، وصفة الخبر

_ المبتدأ مرفوع   ، والخبر مرفوع   ، والكلام مضاف إلى الصور   ، واللغة حاملة للشكل

     المبتدأ معلمٌ واقع في التربية   ، والخبر طالبٌ منجز للرواية   ، وهي من التعاليم التي تلقاها سلوم   ، حين عاد رجب من عباءة الأعرج ذات ليل

_ المبتدأ أن تفتحوا قنوات القصيدة في الصفوف  ، والخبر أن نعايش القصيدة في أبياتها  ،

_ لنبدأ من علوم الأرض والجغرافيا والتاريخ

_ ومن علوم اللغة في الحراك اليومي

_ والسور الإسمنتي  ، والباب الحديدي الأسود

_ ليكن لنا جناح الصقور  ، فقط عليكم أن تحملوا مفاتيح أجدادكم في الكلام

    لم تعد المدارس غرفاً مرصوصة لفضاء النجاح والرسوب  ، ولم تعد أنزيميا الكلام تتفاعل مع حبات زيت السمك  ، ولم تعد المقاعد خانة للنعاس  ، لم يعد

الواجب الدراسيّ منفذاً للحياة  ، كلّ شيء تغير  ، والمساحات أصبحت مكشوفة من نوافذ الغضب  ، والشوارع أصبحت جاهزةً لشعار القصيدة  ، وغنائيتها

  

الشوارع 

 

  لعجاج الخيول أثر بالغٌ في مهب الرياح   ، ولصهيلها برق الصدى   ، وللشوارع أن تبدّل طينها   ، ولكلّ شيء أن يخيط ثيابه الجديدة   ، لدراقة أن تفيض بأنوثة الزمن على الطريق الظنّي   ، ولأرجوانه أن ترى طفلتيها متى تشاء   ، ولرجب أن يقترب من دائرة العودة   ، له أن يعلّق عباءة الأعرج على الطرقات   ، وأن يكشف المستوى الفني للقصيدة   ، ما دامت المدارس تعطي وقتاً لعلوم القصيدة في الشوارع   ،وما دام الكاشف مشغولاً بأخبار سليم ودراسته   ، لحمامات وطيور أبي الوداد أن ترقص على غنائية القصيدة   ، للحصى أن ترتب سيلها ومجراها   ، لحراس الحارة العلوية أن يستيقظوا إذا شاءوا.

    بدأ سلوم في مهمتهِ الأولى بتحريك الحصى في الشوارع حاملاً تعاليم رجب   ، وصوت القصيدة   ، خافضاً جناح الذّل من الرحمة لسكان الحارة السفلية  ومتّقد الفكر في مطارحة أهل الحارة العلوية   ، وبدأ سعيد بن السراج في تشعيب المفردات  من الحديقة عبر سياجها الغربي   ، ممغنطاً أوراقها النباتية التي تدور في رحى الكروم   ،وبدأ الواصف في منازلة أهل الصفوة   ، وارثاً جملة من القول الرجبي   ، إمّا أن تعكس مرآة الداخل  وإمّا أن تحدّب المرآة على تل الصمت   ،وبدأت الشوارع تنحدر من قمم السؤال عن الهوية  تتسع في كلّ يومٍ رغم طينية الشكل  ، تعلو وتعلو   ، وتنخفض انخفاضة السنابل  عبورها في الأجساد عبور مستقيم ودالٌّ على هيئة القصيدة وإرثها القادم  ، وأصبحت المدارس والشوارع رئتين تنهضان بالهواء   ،وتسرجان حبر النشيد على ورق أخضر مسطّر.

   

 

التلاميذ

 

  الكرة التي كانت تدار على قدم الفراغ في السهول القريبة من تلّ البوادي   ، لم تعد في حواس مرجل فريقين   ، هي الآن في ملعب واحدٍ وفريقٍ واحدٍ   ، فلم يعد هناك مرميان للهدف   هو مرمى واحد لا يعنكب عليه شبك الحماية   ، مفتوح من جهتين تطلان على واقع الأقدام   ،

الكرة إذن في ملعب واحد  وباستطاعت اللاعبين أن يمرروا الكرة فيما بينهم.

لكلٍّ فريقه الداخلي...

امتداد الخلية في تتابع الخلايا

أمر منوط بسلوم   ،

وسلوم قائم بالأثر الجمعي   ،

ولا ناصية إلا ناصية القصيدة   ،

من هنا لا غرابة

في أن يُرى سلوم واقفاً بين التلاميذ   ، يحصيهم عددا   ، ويقرأهم رشدا   ، ولا غرابة في أن يُرى سعيد في الكروم   ، ينمي أغصانها وثمارها   ، ولا غرابة في أن يُرى الواصف مستنداً على عكاكيز أهل الصفوة في الحارة السفلية

     إذن لا غرابة بعد هذا الإصغاء أن يعود رجب ليكون في مقام المعية.


عودة رجب

 

       بعد تلك النبتة التي خرجتْ من عباءة سلطان الأعرج في كثير من أوقات التروية الشعرية  ،وبعد أن عولجت القصيدة بمفردات الظاهر  ،واحتفت بالبطون الصاعدة من كمونها  ،بعد هذه اللغة التي تأبّطت مناخات القصيدة  ،وأثرها في شيوع التعاليم  ،وبعد أن عَقِلَتْ دراقة مفهوم أنوثة الزمن صار لا بدّ من عودة رجب أو المهندس رجب.

   أنا رجب مهندس الكلام   ، وقارئ الغمام   ، ومسيّج الرؤى بالتعاليم   ، ولدتُ من ثلاثين فاقت على الجرح  دخلتُ في السرير الذي خَطا في عقال الردى   ، بعد أن تحيّز في جبهتي تحت سقف الوصاية  ،نهلتُ من كتاب الشواهد   ، وعتّقتُ ناصيتي بالتراث   ، وسيّجتُ نفسي بمهارات القصيدة  ، رأيتُ في الدُّرِّ نفْساً وقائيةً للدخول في هندسة اللغة   ، غير أن الخطاب الذي بيننا   ،لم يكن كافياً للحلول   ، وكأنّ المُدى نصلها في أنوثة الحياة   ، تركتُ عالمي بين شهقتين للولادة   ، وأرضعتُ ابني من لبن التراب

      أنا رجب بن عدنان  ،حامل مفاتيح الكهوف  ، ومرتّل إدمان سلطان الأعرج في عدّ الحصى  ، وموقظ أوراد أبي المنقذ من غيابها البعيد   ، هاأنذا أعود من سيرة القبض إلى ترجمة البسط   ، ومن علل الحديث إلى أسباب القصيدة.


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x