نسيج القصيدة

 

   العلاقات الاجتماعية التي بدأ رجب بترسيخها في الحارة السفلية  ،من خلال الانفتاح على الذاكرة الشعبية للناس  ،أخذت تتنامى شيئاً فشيئاً  ،وخاصة بعد أن بدأت العلامات الظاهرة في معطيات القصيدة تطفو على بياض الورق  ،فلا يكاد يمضي يوم إلا ورجب في حراك دائم  ،بين المدرسة والجامع ومركز المؤن  ، وبستان الواصف  ،حتى مطحنة الكاشف لم تسلم من هذا الحراك  ،رغم امتعاض الكاشف  ، بالإضافة إلى ذلك الحراك الخفي في الحارة العلوية   ، والذي طال المكوجي ابن السراج   ، هذا الحراك ساعد الواصف على الانفتاح على جملة المسمّيات التي ينادي بها رجب   ، وساعده على الخروج من دائرة أرجوانه   ، خاصة بعد أن بدأت العلاقة تنمو بينه وبين المكوجي  

شيء ما يحدث لك أيها الواصف   ، ثمة بؤرة إرتكازية تتجذّر  ثمة طائر في حدود الفضاء الغيبي  كم من الزمن كان يلزم   ، وكم من العبث كان يكفي لكي تخطو على الطريق الترابي

 لم يكن سلوم إلا حارساً للرمز   ، يحمل مفرداته الأولى بين أقرانه   ، ولم يعد ذلك الفتى المشاكس

_ ما الذي حدث يا سلوم حتى تتغيّر من حالٍ إلى حال 

_ أرى أن رعباً ما يسكنك وخوفاً

_ أو أن هنالك سبب لا نعرفه تحت هدير علاقتك بالأستاذ رجب

  كاد سلوم يفلت من عقال الرمز   ، وهو الفتى الذي كان يخشاه القريب والبعيد   ، لولا أنه تذكر تلك الخارطة الشعرية التي رسمها له رجب   ،

_ أتعرف لماذا اخترتك من بين التلاميذ   ، لأنك أكثرهم قدرة على معالجة الخوف  ،وأكثرهم قوة على المواجهة  والخارطة الشعرية التي ستنمو على جبالها وسهولها ووديانها القصيدة   ، تحتاج لفتى يستطيع حفظ ومداراة الرمز  ، من أجل إقامة الجسور بين مفرداتها   ، الخارطة يا سلوم تبدأ من زاوية الداخل ولا تنتهي بالإطار الكلي للخارج  ، فإذا كنت كما أراك  فتحصن بالحلم والسكينة مهما بدا من الآخرين  ،ولو شقّوا عن ماضيك  ،ونالوا منه

  كان سلوم يتوقع هذه المماحكة من أقرانه   ، ولكنه كان يخشى الانفلات   ، إلا أن مفردتا الحلم والسكينة كانتا حرزاً له من الشطط والغضب والانزلاق   ، ترك

أقرانه في مهب الجنون  ،وتابع طريقه  ،فالرمز بحاجة إلى الانتقال بين شعاب وبيوت الحارة السفلية

  سلوم كان يراهن على أن أقرانه آجلاً أم عاجلاً سيفهمون ما معنى أن تحمل رمزاً   ، تتناهى إليه مفردات الحياة   ، بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها وسيعرفون أنّ رجب مفتاح البداية   ، وأنه جملة من الحواس التي تتحرك في ثنيات القصيدة   ،

  سلوم يعي تماماً أن في جبّ الحكاية تأويلاً للوجود

وأن العالم الافتراضي عالم قابل للتشظي والانحسار

وأن الطريق الترابية التي سيسير عليه رجب  ، ستوصل إلى مائية الرمز  ، وتحتفل بالقصيدة وصورها الداخلية والخارجية.

  إذن لتبدأ برسم الفكرة على تراب الواقع يا سلوم   ، لتفتح جبهة من اللعب المبرمج على ذاكرة رجب وطريقه   ، لتسكن في ثنيات الشباب   ، وانهماكهم بالوصول إلى قلعة الوقت   ، لتقود مثلاً عاصفة من السباق   ، من الجهة الجنوبية للحارة   ، حتى بستان الواصف   ، ليسبقك الشباب   ، لتعزز قيم الرجولة في أنفسهم وأجسادهم   ، كنت محظوظاً أن اختارك رجب  وبثّ فيك معالم الرمز والقصيدة في أيام معدودات

 

_ الإرادة هي أن تفتح ذراعيك للسباق  ، ولا يصدنّك انشغال المطر بظلال الشمس المنسحبة خلف تزاحم الغيوم  ، لتكن الأنفاس ظمأى للمزيد من الصبر والتحدي ليكن الخوف إنذارك الأول والأخير. 

_ والشجاعة يا أستاذ رجب أليست محركاً للأنفاس

_ ولكن إذا كان الخوف إنذارك الأول والأخير  ، ستكون مساحة الذاكرة مفتوحة على جميع الاحتمالات

   هذا الحوار الأول الذي كان بينهما في اللقاء الأول كان بمثابة عصب الفكر والانتقال من الفضاء المقيّد إلى الفضاء المطلق   ، وكان الجسر الذي نصبه رجب لسلوم لكي يتنقل فوق أعمدته من نقطة ذات الذات إلى محور ذات الجمع في اتصاله مع التلاميذ   ، وهو الذي كان يتسيّد المواقف بلا منازع   ، شرّها وخيرها.


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x