مفردات

 

طيور القصيدة

   

  عندما تمتصّ خلايا النحل رحيق الورود   ، تتجه إلى العلو  لأخذ ما تبقى من رذاذ الرحيق المتطاير مع الرياح   ، وعندما تغتنم القصيدة فرصة للولوج إلى منبر الحياة   ، تبدأ بفتح تشكيلاتها أمام بُنى التحليل والتأويل والإسقاط والمتابعة والتوافق والانسجام مع مرافقها   ، والطريق الغربي الذي فتحه سعيد بن السراج  هو المفتتح البري لإخراج القصيدة من حيّز الفكرة إلى فكرة التحيّز.

   بدأت مفردات القصيدة بالانتباه إلى هذا الطريق   ، وبدأ رجب بتطويع منولوج القصيدة الداخلي   ، من خلال النفاذ إلى جمرة النصّ   ، ومقتضى التكوين   ، لتكن إذن تفعيلة القصيدة من بحرها المتوسط   ، منطلقة من هوامش البحر المتقارب   ،

  سلوم بن ثابت وخالد السعيد وثابت بن عمر   ، ثلاثةٌ غضّوا نضارة الحياة في عقال التحدّي   ، وهيئوا لسارية الضحى ما تليق بها   ، احتفلوا بالانتباه   ، وهم يحملون جسر القصيدة إلى فضاء التلقي   ، عمّروا ليل الحارة السفليّة بمفاتح القصيدة   ، فأنشدوا للأرجوان   ، لم يناموا كما أنهم لم يشكّوا مناديلهم بالدموع   ، ترجّلوا عن منازل الرعب   ، أسندوا رؤوسهم على إيقاع القصيدة   ، لملموا حضور أجسادهم   ، وطيّروا أرواحهم باتجاه التراب

   قرؤوا سورة الضحى ثلاث مرات   ، وانطلقوا في سماء تحيّز الفعل المضارع في فضاء الخطاب   ، عبروا طاقة الكمون   ، واستدلوا على فروة الأغنيات  وصلوا إلى حواف القصيدة   ، هيئوا جمرتها

     هنا في الطريق الذي مرد عليه الغبار  ، وعمّ محيطه الدمار  ، أخذوا يعبرون بالقصيدة إلى مرايا الحقول  ، تمتموا  ، وانتشروا  ، وانشقّ القمر

                                                 الولادة


  البيت الأوّل الذي أحيط بسراج الأرجوان   ، بعد انشقاق القمر   ، كان بيت أرجوانه   ، الذي احتفى بالرجوع الأخير.

  عاد سلوم بن ثابت  ،وثابت بن عمر  ،عادوا بجمرة الغياب والتلقي  ،عادوا وهم يقرؤون المسافة بين البحر المتقارب والمتوسط   ،عادوا وقد ملئوا رئة الكأس بأوكسجين الرصاص  عادوا وقد هيّئوا الجبال للرعي.

لم يعد خالد السعيد أخو أرجوانه   ، فقد جذبه مقام المعية   ، واتّحد مع القسام والتميمي والصيرفي   ، لم يعد   ، وعادت هيبة الولادة في حضورها الذي توزّع

في خطاب المفردات

_ ضعوا سورة العنفوان على صورته

_  ضعوا نقطة من أرجوان يديه على الطرق

_ هيئوا لملامحه جمرة في القصيدة

     لك أن تهدئي يا أرجوانه ويا أمّ خالد   ، فقد عمّد القصيدة بأحلامها في النهوض   ، وأقلامها على بياض الورق   ، لكما أن تسترا حبّة القمح في سنبلة الماضي وأن تنشرا قميصه لبصيرة الحياة   ،

ولك يا سليم العنزي أن تخرج من صدأ الخاتم

    منذ أن انشقَّ قمر القصيدة   ، والمفردات تتوالدُ وتتجاورُ   ، بينما المشروع النقدي أخذ منبره على بوابة التحليل والتأويل من جهة   ، ومن جهة أخرى بدأ في ملا سنة الصور وتقديمها للمنهج ألتفكيكي   ، فيما بدأ السراج بإعادة الحميّة للسياج غير عابئ بابنه وزوجته   ، أرجوانه التي قدّم أخوها شرحاً وافياً لروح القصيدة وحيويتها ومكانها.

   في كهف القطا اختبر رجب دموع المفردات  ، وهيمنتها على حياكة الأعصاب  ، درءاً للوقوع في فخّ التفكيك.

                                                الفخّ


  الانزياح الانفعالي الذي واجه القصيدة بعد انشقاق القمر   ، لم يكن من تعاليم متن النصّ   ، غير أنّ حدة الانقباض والتجذّر في عدم اكتشاف الأبعاد غير المرئية للسياج   ، وخاصة بعد ذلك الهدير النقدي   ، ساعد على خلخلة الأجزاء الأخرى للسياج   ، فلم تعد المفردات قادرة على استنساخ انزياح دلالي للقصيدة فوقعت في حفر الكلام النثري.

_ لماذا الحفر يا أبي  ، ما دمت ربطت السياج من جديد ؟

_ لكي يتقي الحقلُ منجم القصيدة

_ ألم يرق لك ذلك الانزياح اللغوي الذي قدّمته أرجوانه في مخاضها الأوّل   ، كرم بن سعيد بن السراج   ، وهو لك نسباً ودماً وإرثاً

_  نعم   ، ويكفي السراج انزياحا واحداً   ، أستطيع من خلاله توفير مساحة مرئية للنقد ألتفكيكي   ، لأنني لا أستطيع توفير مساحات أخرى لمناهج أكثر قدرة على مجابهة هذا الانزياح

  وقعت إذن المفردات في حفر الانزياح   ، واهترأت خيوط العنكبوت التي وضعها رجب في مطلع القصيدة على بوابة الزمان والمكان   ، غير أنّ القصيدة طبعت في ديوانها الأوّل   ، على ورقٍ أصفر  قادها للانتقال على أصابع الرحيل باتجاه كمائن النقد الجديدة .

  

الرحيل


  التنوّع في مخارج القصيدة وصوتها يشي بهيمنة اللغة على إطارها الشمولي   ، واستيعابها لمعطيات التطوّر   ، لم تكن القصيدة في متاح تطوّرها   ، قادرة على ربط تراثها الإنساني  الواقعي   ، والمتخيّل   ، ولم تكن قادرة على استصلاح فكرة مجاورة الصور  التي كان بالإمكان من خلالها تفادي الحفر  بإعمال منجل الردم الذاتي .

  سعيد بن السراج لم يكن قادراً على تذييل القصيدة  ، وترجمتها  ، وكان عليه أن يعمل على فتح السياج من جميع الاتجاهات  ، لكي تمرّ القصيدة على أكثر من لفظ...

لغتان من وجعٍ على بحر القصيدة

تتحاوران على نسيج الماء في مجرى الكلام

وترقبان علامة المقهى   ،

لغتان للمنفى

لغة لها جسدٌ من الماضي القريبِ

لغة وتفتح ساق صورتها إلى بحرٍ جديد

_ ولكنها تعاليم رجب

_ كان بالإمكان تصدير اللغة   ، والاعتماد على تثويرها في مركب الفنون الأخرى   ،

_ الرواية مثلاً  ، وهي سلاح سردي يحتاج إلى شخصيات تلتقي مع الراوي في عبور الحدث  ، وتفترق عنه في مسرح الأحداث.

   مع اختفاء الراوي عن مسرح الأحداث في الحارة السفلية  وبعد أن شبّ عِرقُ كرم بن السراج   ، لم يعد سعيد يرى في أرجوانه غير ذلك الخلخال الذي أيقظ فيه صورة زوجته الأولى

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x