انعكاس الصورة في ذاكرة الشعر في كتاب الرماد

 

تطوف قصائد " كتاب الرماد" (1) نخيل الحياة. وهو يتسامى

إلى  فضاءات  الحرية  والكشف عن مدخلات الإنسان ضمن دائرة

الموشحات  التي  ترتلها  الطبقات  الموغلة.  في كتم رياح التغيير

والتعبير عن طوفان الوجود المتنامي في أقصى تجلياته.

     وتنتقل القصائد في مفردات الشارع الموشى بدم الحنين. بحثاً

عن  أشجار  الحياة  التي  يستظل الكائن تحت ظلالها. ماراً  بذلك

الانتظار الحالم والجدي لكل مقومات الماضي والحاضر.

     وتستقرىء  الحالة  الشعرية  نقطة  التماع  البرق  في مائها

العذب،  بصورة شعرية يربطها خيط الرؤيا القادم من رعد اللغة.

وهي  تبشر  بفتح  الشرفات أمام المرئي من حالات عطف الذات

على الوطن

 

     وتتقاطع  القصائد  مع  حيويتها  وهي تنهل من لغة الشهداء،

أشكالها المتعددة التي تنساق في صورها الإخبارية الناتجة عن تزاحم

الأضداد  في  دواوين المساء. بحثاً عن صورة متخيلة تتشابك مع

 

 

الذات الجمعية، في محاولة لقراءة الواقع قراءة تستأصل الولوج في

عتمة  الفخ،  لجهة  اتصال  الرؤيا  الواضحة  بكل معطيات الحياة

اليومية.  التي  تستدعي  مراجعة  الذات لكل تيارات التغريب التي

تمارس ضد الكائن في مزدحم حياته.

 

              " والرمادي

هذا الخواء الذي نتنفس

هذي العواصم... هذا الهبوب

الجفاف الجديب...إل

جفاف الذي يأكل العمر

والعمر يمضي وليس لديه سوى سلة

من نواح

هل ينوح عليكم ؟

... عليّ

... على وطن فاتن مستباح"(2)

 

     وتعيد  القصائد  ترتيب الأشياء والحقائق والمسميات كما هي

وتدخل  إلى  انعكاس  الصورة  في  ذاكرة الشعر وتلحّ علينا بأن

نعترف بالغبار وأن نعترف بزواله.

          " قلبي مثقل بالصحو

لست متيماً بالفقر

لكن المخيم راود العشاق دهراً عن نضارتهم

... فما وهنوا

كأن الشمس تغسل وجههم

هم كبروا

وتناثروا... مثل النجوم"(3)

     ويفتح  الاستدعاء  الذي   يجوب  القصائد  أمامنا   إشكالية

التحدي  والنبوءة  والمعجزة  من  خلال  استبصار القوة وكشف

مالآتها التي آلت إلى تفجير ثيمة عربية ممعنة  في التحدي.

 

                 " أنا مهرة الحرب

دقّت عروق بلاد العرب

أنا وردة الأرض

تمتدّ من حالة الصمت

حتى انفجار الغضب"(4)

 

 

     ولكي يبقى النصّ الشعري على صلة مع الواقع. فإن الشاعر

يتجرد  من  الأنا،  ويكتفي  بتصوير  حالات العشق المبطون في

الذاكرة،  لجهة اتصالها بالتضحيات، وهذا يعزّز قدرة النصّ على

استيفاء  ضريبة  الرؤيا  لغايات  توثيق دفتر التاريخ الجديد الذي

تكتبه الأنا الجمعية.

 

" سبعة عشر ربيعاً

تنمو بين عصافير الدوري

تعانق سوسنة البيت

وتكتب أقماراً حالمة

بين حواكير القرية"(5)

    ولتأسيس  الخطاب الشعري على إمكانية تمازج الأحوال في

مثلث واحد. الأرض.الإنسان. الحياة. يبحث الشاعر عن صيغة

توافقية في كل ما من شأنه أن يخدم حالة المقاومة.

 

" خيّروني أيّ منفى

كلكم منفاي لكن

ليس لي منفى سواي

              راودوني وطناً

               هادئاً أو غاضباً

 شجراً... صحراء...ماء

 راودوني طناً

 كلكم وطني ولكن

 ليس لي وطن سواي"(6)

 

ربما   أن  الرحيل  والصعود إلى ذاكرة الموت هما  المنولوج

الداخلي لتداعي الذكريات،  فان  الشاعر  يمضي في شواهده لخلخلة

السكون  الذي  يلف  حياته  بعد  هذا  الانقطاع  المادي.  والتواصل

الروحي.  وفي  هذا  الإحياء  الوصفي  لذاكرة  تستمد  من   الشعر

مناخاتها.تكون الحياة عنصراً وهاباً.وإلا إحالتها إلى عدم أولى. وفي

هذا غبطة أرجوانية يرعى الشاعر  فيها زمنه إن كان  موئلاً للحياة.

ومفردات  هذه  الغبطة  كائنة فيما  آلت  إليه  مفردات  الحياة. لأن

السواد الذي يلف سماء الأمة. ينطوي على جذب  شمس الحرية من

كافة بقاع الأرض. حيث  تنبري  مفردات  الأرض إلى الكشف عن

الصيغة التأويليّة للمقاومة.بعيداً عن إشكالية الفعل والأداة.

 

"...وحلم تقافز في هدأة الروح

قال لصاحبه:

هل نضيء الطريق...أخي

تجلّى فتى من شوارع"غزة" معتمراً عمره

...يا حبيبي

فأبرق نجم على الأفق يرسم"غزة" فجراً

كأن المدى اسمها

...والورود ندى دمعها

أو كأن خطى المتوسط أنفاسها

... والحجارة أبناءها"(7)

 

      وتمتزج  الشعرية. شعرية  الواقع. بالمستويين العام والخاص

العام،  من  زاوية  متابعة  القضايا  الساخنة  التي  تمر  بها  الأمة

العربية.والخاص من زاوية الرؤيا الشعرية  ومعطياتها من حيث اللغة

والصورة  والإيقاع  المهموس.  بالإضافة  إلى  تنقلها  عبر  عمق

الواقع. لتكشف عن الأبعاد الخفية في مترادفات الزمن الحاضر.

 

                  " عربية أمي

حجارتها قلوب العاشقين وقد تجلّت

فانظروا خطواتها

دمنا الذي نهل الخلائق نسغه وتبادلونا

                ورقاً على الجدران. أسماء الشوارع

                نواح راع في السفوح. بكاء أم..."(8)

 

    وأخيراً تنتقل الشعرية إلى ذاتها في بنية نفسية تمتح  من انخفاض

المستوى  المغناطيسي  الذي  يشكل حلقة الوصل بين الذات كحامل

لمفردات  الفعل  المقاوم.  وبين الرؤيا كمرتبة متقدمة للفعل المقاوم.

في أتم صور التجلّي بين الخطاب الشعري والخطاب النفسي.

 

"  تداخل رضوان في شفةٍ أرضعته السلافة

حوافر خيل تصول على بابها

تركض الدهشة. والشعر يركض

لون بساتينها شجر الياسمين

وردة فل كما الثلج بيضاء

تسكن بين العيون"(9)

 

 

 

 

 

_______________________________

1_ كتاب الرماد ط1 جمعية عمال المطابع الوطنية 2001

2_ كتاب الرماد ص11+12

3_ المصدر السابق ص13+14

4_ نفس المصدر ص47

5_ نفس المصدر ص69

6_ نفس المصدر ص73

7_ نفس المصدر ص81

8_ نفس المصدر ص87

9_ نفس المصدر ص117

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x