وراثة الحرف ودلالته الموسيقية في ديوان أما أنا فلا أخلع الوطن

 


 تبرز  في  ملامح  النص  الشعري  في  ديوان " أما أنا فلا أخلع

الوطن "(1)   أسلوبية  تفتح  شهية  الاتصال  باللغة،  التي تتوفر على

ثيمة  الارتباط  الأثيري  الذي  يضيء  ماهية  المسميات في المونتاج

السينمائي،  في  محاولة  لكسر  رتابة  الواقع،  وهي  بذلك تمشي في

خطين  متوازنين  يسيران  معاً في مستقيم واحد، خطاً مقروءاً، وخطاً

مرئياً، يربطهما معاً ماء القلب والعين.

 

وتؤكد  قصائد  الديوان  على  أن  الوضوح  الغامض الذي يشف

عن  ميتافيزيقية  الأشياء  والمسميات،  إنما هو حالة من السحر الخفي

الذي  لا  يستقيم،  إلا  لكل  من  شفّ  عن  روحه طين الجسد، فلذلك

سرعان  ما  تتعاظم  اللغة  خرقاً  للمألوف،  مع  مسمياتها، تنطق عن

هالة  من  الانفراد  والتميز،  في  مواجهة  البياض  الذي يرتسم على

مرايا الكائن بعد كل محطة.

 

" الليلة يحبو هذا الطفل

 

 

وينمو

يتناثر نغم الحبّ

ويكبر

تتناغم في عينيه الصور المكتظة بالحلم

فيصحو"(2)

 

     إذن  هو  الشعر  الذي  يسطّر  مكامن الوجود، ولولاه كان قليل

التنفس  في  كل  مراحله،  الشعر الذي يفتح الآفاق، ويرسم في معالم

الحياة أحداثاً لها واقعها الآدمي على تراب النص.

 

"أيّ دربٍ تشتهيك

مطارد في كل منفى

والشموس على جبينك

ترفض الوطن البديل

وتزرع الحلم الجميل"(3)

 

     وتؤشر  القصائد  بوضوح  على  وراثة  الحرف الموسيقي في

حالاته الصوتية والبنيوية، في اقتناص مفردات تمتاز بشفافية جمالية

في نطاق الجملة الشعرية.

" المسافات حالمة

والبحار التي أيقظت عريها

 

 

دهشة الشارع العربي

على وردة في إناء المحبين

حين تداعت إلى الصوت عاشقة

قلت إن البلاد التي فتّحت للغزاة شرايينها

لن تمرّ إليها الفصول

بغير دماء الضحايا"(4)

 

     وتشتد  آلية  الحفر  الذهني  في  معدن  المفردات،  من  خلال

الالتصاق مع الصور المتخيلة، واستنطاقها لفعالية الظاهر، واستقامة

الباطن،  والولوج  إلى  كينونة  الفعل والفاعل الشعري المتحرك في

رئة  السرد،  سرد  ثنائية  الإنسان  والمكان،  بصفتها  دافعا   قويا

لكشف المحارات اللغوية، التي يختفي في منازلها مبتدأ القول وخبره.

 

 

"سيدتي : إني أتدافع نحو الموت

أراجع نفسي

وأحاول أن أرجع من حيث بدأت

هنالك، خلف شبابيك الحلم أراك

عيناك مشاعل حبّ وردية

شفتاك بحور من عشق للغربة

لكنك أنت بداية موت

وأنا أتراوح بين الحبّ وبين الموت"(5)

 

     وتشتغل  القصائد  بالمنافحة  الشعرية،  باعتمادها  على   إقامة

المفردة المراوغة والطازجة، تلك المفردة التي تشير إلى تعدد الأوجه

"سيدتي"  فهي  تمثل  في  المنحى  الأول ، الأنثى،  والثاني، الوطن،

والثالث،  الحرية،  لجهة اتصالها بالخصب، لتصعد من ظلام المكان

والزمان، إلى مواءمة الذات مع نفسها، بلإيقاعات تقاطعية ومراوغة،

وتعيد  ترسيم  الخطى  شعرياً  غير عابئة  بتفاصيل الجسد والروح

وهي تحمل في دفقاتها عبقاً نرجسياً تفوح منه بطانة الحياة المشتهاة.

 

" ولذا سيدتي

فسأبقى في حدقات العين حنيناً للقاء جفونك

أتدفأ بين رموشك

وأعانق قلبك

أتناسى لو ساعات أني ممتهن ومريض

هل يقدر هذا العشق

أن يمسح كلّ الوجع اليومي بقلبي

هل يقدر هذا الموت بعشقك

أن يحيي بعض حياتي"(6)

 

    وفي  متغيرات  المعطى  الشعري،  تتسع  العبارة،  لتشكل في

تلامسها،  قيمة  الفضاء  الذاتي،  حال  انصهاره في النصذ الشبيه،

النصّ  الذي  ينكشف  على  ذهنية  المتلقي، وهو يبحث في شعرية

التأويل  عن  إيقاع  الذات،  إذ  يتمترس  وراء  القناع الذي يشكله

السرد الشعري.

 

" أمي ولدتني من زبد البحر

قدري أن أتزوج أمي

أن أمضي في عشقي لا أتراجع

أن أحمل لعنة هذا العالم بين عيوني

حتى ترحل روحي نحو مدار آخر

كي يبعث حبٌّ آخر

لن أقدر أن أتراجع"(7)

 

     هكذا  ينتصر  النصّ  الشبيه  في  تلاسن  العبارة، ويترجم خبر

المبتدأ في بعده الأثيري، إلى جانب انتصاره لثيمة المغنطة بين الواقع

الحكائي،  والواقع  الشعوري الذين  يعتمدان  على وراثة الحرف من

السلالة الموسيقية بينهما.

 

______________________________

1_ أما أنا فلا أخلع الوطن_ط11979 الأعمال الشعرية ط1

2001

2_ الأعمال الشعرية 406

3_ المصدر نفسه ص402+403

4_ المصدر نفسه ص411

5_ المصدر نفسه ص408

6_ المصدر نفسه ص410

7_ المصدر نفسه ص489

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x