الخفاء والتجلي في الصورة الشعرية في ديوان موت الأبيض شبيهي

 


إن  إيقاع  الخفاء  والتجلّي   في   ديوان  " موت  الأبيض

شبيهي"(1)  يبدأ  من  سيولة  المفردات  وانشغالاتها  بالبحث  عن

ظلال  المسافات  المستحيلة.  في  حوارية  تقود المتلقي إلى فعالية

المشاركة  في  صنع  الصور الشعرية تخيلاً، لجهة اتصالها بالذوق

والإلهام.

 

       وإذا كانت سيولة المفردات تتوقع شعريتها.من خلال حركة

الريشة  المسيطرة على سيمياء التجاذب بين الفعل الشعري وقوله،

فان  رضوان  يبحث  في  صلصال  المرايا  عن شكل الحياة من

جدبد .شكل يختص به وحده ليرقى به إلى الصفاء التام بعد اكتمال

القصيدة

 

       وتتكاثف  الحيوات  الإنسانية  في  مجمل  ما تقدمه قصيدة

رضوان.من فعاليات  جوانية  تتمحص عن إزاحة الغطاء المنمق عن

دائرة  التواشج  بين التجريد الحي. الذي ينطلق من كينونة الكائن.

 

 

كتفاعل مجتمعي خلاق، والفكر  التخييلي المنطلق من استدراج

الغيوم في حالتي الخصب والعطاء.

 

  " ... وهذا أنا الراعي

أسوق النجوم قطيعاً إلى

عشبها

وأعزف ( شبابة ) العمر لحناً

فذاك البياض الندي

المجون الشجي

الهوى...

والجنون"(2)

 

       هنا بعد الإسقاط الشعوري على مادة البياض تظهر طاقة

الاستجماع البصري في كل ما يكتبه رضوان. إذ يدور في سعة

اجتراح عوالم تتنفس منها رئة الكون.  حيث  تشكل  انعكاسات

الإسقاط  مفردات  الكائن  في  كل حركاته وسكناته. ومن واقع

السرد الشعري المباغت والمراوغ.

 

 

" لعبد الله رؤيته

فعبد الله متّسعٌ

... نقاءٌ ليس يرتدُّ

وعبد الله متّسعٌ

... بكاء واسع الأحزان

عبد الله يخبركم...

سيأتي الموت... فانتبهوا"(3)

 

     ويستمرّ السرد الشعري بإطلاق سماته الإخبارية.لجهة توثيب

التفاصيل  الدقيقة لانتظار التوقّع من خلال تشكيل لوحة تصويرية

تتداعى  فيها  فواصل  القطع السينمائي، لتكوّن المشاهد جملة من

الروافد في عين الكاميرا. تتبع مجرى عين الشاعر.

 

" تقول الوردة:

إن المرأة أعطتها نكهتها الأولى

وزتقول المرأة:

إن الريح تقصّ عليها

كلّ صباح قولا"(4)

     تتناول  القصائد  الملكوت  من  أكثر  من جانب.  فتقع على

المساحات الأكثر علوّاً، وتقترب من ماض له أثر واضح  في بنية

الرمز.الذي يشكل في حياته منازل العمل الفردي المكون  لحالات

الذات الجمعية  ومع  هذا الاقتراب ينساح على تشابكات  الأصابع

الضاغطة على ما هو ماضوي.ليمتح الحاضرمن إطلالته.من أجل

استشراف مستقبل أكثر حميمية والتصاقاً بواقع الحال

 

" يد مملكة

وأصابع مدّت

شرايينها في اتساع الأفق

يد مرتبكة

وقطارات تمضي

على القلب منها

محمّلة بالصفيح

بملمس هذا الحديد

طراوة نهد

وضغط زناد

غسيلٍ وماءٍ فرات

جليدٍ

... ورق"(5)

وتحتشد  الجملة  الشعرية بالمدلولات  التي  تفيض بكل  شيء

بنثال على الذاكرة الشعرية. وهو   على صلة وثيقة بالنفس الشعري

الحار،الذي يتقلب على جمر المعنى.ومع هذا الانثيال تتأصل الجملة

الشعرية.  لتأخذ  أبعاداً  تفتح  نافذة  للتأمل وأخرى لاصطياد هواء

التجربة  بلغة  ترتفع حرفيتها إلى أعلى مستويات الاندغام الحقيقي

للمعنى

 

" أرى ليلاً سيغزونا

أرى ريحاً ستأخذنا

أرى جبلاً سينهار

أرى نسراً يسلّمنا

إلى قفصٍ

أراكم أم أرى نفسي

أنا أنتم

فعبد الله متّسعٌ

كدهشتهِ

وعبد الله مسكونٌ

بحيرتهِ

لذا انتبهوا"(6)

 

ثمّ  تستقبل  الجملة  الشعرية حوارها المسكون بالآخر. حيث

يترفق بالمحيط دون التنازل عن عرش الكيان المتوحّد في ثقافة النمط

السلوكي الذي يحتلّ الخبر الباقي من المسكوت عنه في اللغة.

 

" هل غادر الشعراء

... هم عادوا

وبقيتَ أنت

"درويش" يغزونا كبرقٍ

خاطفٍ

سَرَقَ المدينة

وانتمى للّون في الكلمات

أو في مهرجان الحبّ

في التكوين

... في الفوضى"(7)

وتتفاعل  شهية  الخطاب  التصويري  وهو يدنو من أقواس

الحديقة،  في محاولة لسكب عناصر الحضور والغياب، على تربة

أصلها  ثابت  في  حوار  المكونات  التي  تفرج عن زوايا النظر

للذات.كونها الفاعلة في الحركات والسكنات التي تحتل حيز الكائن.

 

" طائر الفكرة والنار أنا

طائر الفتنة

هل قلتُ كلاماً طائشاً

أم حنيناً لانبعاث الفكرة الأولى

عن الشعر

وعن رقدة الشعر

في رصيف من أزاهير على حدّ الحكاية"(8)

 

  وتتفاعل شهية الخطاب مع الجداول الشعرية، التي تمشي بكل

مفاتحها  إلى  عملية  الجذب ،  جذب  الإيقاع  الثنائي   بين   الكائن

وذاكرته  الأولى،  حيث تتبدل الأحوال في النص بصفته نصا روحيا

تتجاذبه أحاسيس الخفاء ويتأمله العاشق.

 

"إنها الأربعون

حكمة الأنبياء

وشهوة كلّ النساء

وخوف شفيف تغصّ به الروح

مثل دمٍ طاعنٍ في البكاء

فلا تبتئس يا أخي

... يا أنا

... كلنا ... صحراء"(9)

 

      ويتمدد  النصّ الشعري في بياض الكائن.الذي يعيش الوجود

بكافة تقلباته. ليصبح نصاً يتماشى مع لذة لوحة الروح.

 

" سمراء لا تتقربي مني

دعيني والجنون

صهيل حمحمة الخيول

فوارس كانت هنا"(10)

 

 

   ويمثل  في  طاقته  التعبيرية حالة لجذب الشتات المعنوي للذات، باتجاه الكشف عن مواقع

متقدمة في طابور الغابات الأكثر وضوحاً ومعها يحاول الحفر لإيجاد صلة ما بين ما هو ظاهر في

الواقع وما هو مبطون في ذاكرته من تاريخ مضيء.

 

" فلسطين طفل تحفّز في أول العين

يبحث عن طفلة شرّدتها الحروب

فلسطين تولد في لحظة

يستوي الحبّ والموت فيها بأرض الجنوب

جهادُ"(11) فكلّ الدروب تؤدي غليك

ولكنني مغرم بصهيل الشعوب"(12)

 

وترسم  قصائد  الديوان  لوحة  موسيقية .  تتعدد  فيها  ألوان

الطيف  بأبعاده  المطرية  القادمة  من  أعماق الكائن" النصّ الغائب"

حيث  تتوزع  في  مقاماتها  عبر  تقنية التورية خلف خطوط همزة

الوصل.  بين  التراب  والذات.  وتحاول اللوحة عبر طاقة الخصب

اللغوي  إقامة  منتجعات  سياحية ثقافية" النصّ  الشبيه"، حيث تعنى

المفردات بالموسيقى التصويرية والمتحركة والناطقة.

 

 

 

 

_________________________________

1_ موت الأبيض شبيهي ط1 عمان 2002

2_ المصدر السابق ص11+12

3_ المصدر السابق ص31

4_ المصدر السابق ص57

5_ المصدر السابق ص95+96

6_ نفس المصدر ص32+33

7_ نفس المصدر ص35

8_ نفس المصدر ص63+64

9_ نفس المصدر ص123+124

10_ نفس المصدر ص105

11_ جهاد حمو : شهيد الجنوب اللبناني

12_ موت الأبيض شبيهي ص136+137


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x