الذاكرة المحمولة في دائرة الوعي في ديوان شهقة الطين

 


        تختصر قصائد " شهقة الطين" الطريق أمام الخطى التي تئن في

مسالك  الأزمنة  والأمكنة  بحثاً  عن  عوالم  شعرية  تسكن  في  ذات

التناص  كونه  معترك   للدخول   إلى   الحكمة  واستقصاء    المشهد

المبطون في تقلبات الزمن.

      

        وتتسم  قصائد " شهقة  الطين"  بالعصف   بالمكان   والذاكرة

المكان  بمفرداته الكامنة في رؤيا الذات الثابتة  والمتأصلة  بفضاءات

النص  المختلفة،  والذاكرة  المحمولة  على  أجنحته  ضمن   دلالات

الوعي المحترق بصفات المكان وأسمائه.

 

        وتقرأ  القصائد طيور الهدأة  انطلاقاً  من  فضاء الحقائق التي

دثرها  رماد الزمن، ولكن شعرية التناص تتنازع خواص الدخول إلى

أيقونات  العمل  من  حيث  الصوت  في  الأداء  اللغوي،  والإضاءة

التراثية  التي  تعتمد  في  حركات  النص على تجميع الواحد في الكل

الجمعي  كما  أنها  تستقرىء  ذاكرة   الخصوبة، في  اعتمادها  على

 

ثلاثية  الطيف  واللون  والسراج، من  خلال  الاعتماد على  مسرحة

النصّ  الشعر، وتقسيمه  إلى  أصوات  تخدم  فضاءات  العمل، كونه

حالة  استنطاق  لمجريات  السرد  والأسطورة التي تمنح التاريخ لغته

الخاصة. القابلة لمجرى الحضور البدهي. في محاولة لتقارب النصين

على  ثيمة  واحدة.  مفادها  الحضور  الناطق  للسالب والموجب في

الحقل الدلالي. التي تسعى الأسطورة لرسمه لا لقوله فقط.

 

                " شائباً كالضلالة

لكنه لم يكن غائباً

ساقنا كقطيع الأغاني

إلى عشّه

عشر صبايا حكايا

كأنّ الربيع تجمّع في حضنهن

تسابقن عدواً إلى مهجعٍ

                طاعنٍ في الغواية

لا. لم يَسُقنا

ذهبنا إليه بدهشتنا"(1)

 

         

         ولا يقتصر الجانب الشكلي على الكلمة. بل يغوص بعيداً في

تموجاتها  واختلاجاتها من حيث التصاقها الحميم  بالقضايا المصيرية

المعقدة. والتي  تداهمنا  في  كل خطواتنا  ورغم هذا الاندغام الشديد

بهذه  الوقائع،  يعود  إلى خطواته وخلواته.ليأخذ جرعة أمل لملاحقة

الوقائع  والأسطورة  من  جديد،  حيث  تبدو  هيبة  الذات  أمام هذه

الملاحقة.  كأنها  تستند  على  خاصية  الأنا الخاضعة. والتي تنبري

بدهشتها  حين  لا  تجد   إلا  ذات  النصف  الآخر  تتعالق  بأوتار

الصوت.

 

" من يهدهدني صوتها

في منامي

من تريد قيامي

أنا إيل..

الشمس أمي

وهذي الورود كلامي"(3)

 

وتفيض محاكاة النصّ الأسطوري بمكونات الواقع التاريخي

 وتترجمه لتكثيف الحالات الجوانية. ليتجه فيما بعد إلى ترجمة الواقع

 الآن. لتحاصر الهيئة الشعرية وقائع الحركة الذاتية التي  ينطلق منها

  الإحساس بالمكان.  لذلك  يرتكز الطقس الشعري على جملة  من

  المسميات التي آل إليها الواقع النفسي.  وتتمثل  في استطراد حالة

  البحث عن التبادلية بين قطبي الثابت في الأسطورة. والمتطوّرة في

  القناع الشعري.

 

                " يا لهذا البكاء

كانت الضحكات تراقص

في ساحة الدار

والآن،

لست أرى غير هذا الصهيل

صهيل البكاء

هو موت إذاً

 

ما الذي أدمع العين

يا أبتي ؟

ما الذي صنعته الحياة ؟"(4)

 

وتفتح إمكانية تطويع وتطقيس النص الشعري على فعالية

انزياح المعنى_باتجاه تخليص النصّ من مادته اللغوية الساكنة _،

أبواب  الحضور  الطقسي  المشبع  بأوعية  الانفطار على  شواهد

الواقع، حيث تتجسد في بعض المواقع إغراءات الأسطورة وطواف

اللغة في أبعادها التأويليّة.

 

                " من يجسّدني

من يعيد خطاي

كنتُ لملمته

وأعدتُ إليه الحياة

وذهبنا معاً"(5)

 

وبعد هذا الطواف. ومحاولة  تقصّي مفردات البيان التاريخي،

من خلال بعث الحياة في التمازج الغريب وغير المنقطع، وافتراض

الأصوات الهلامية التي تحتشد في أعصاب النص الأسطوري، يأتي

صوت  الداخل  من  منبع  الغواية. غواية  الأسئلة.  أسئلة الضمير

الذي لا يركن للبيان التاريخي.

 

                    " هل تضيع الحياة ؟

                       هل تضيع الحياة.. الحياة ؟

                     هل ؟؟(6)

      ولكن ضمير النصّ الأسطوري يتجه إلى استرجاع ثيمة العوالم

الطقسية التي تحتل مكانتها في الذاكرة الجمعية. للدلالة على الوعي

الضميري  الذي يسعى  إلى تجسيد مفردات الأرض"عناة" للخروج

عن جزئية الخطاب. في محاولة لسطوع خطاب التورية الذي ينتج

عن الخطاب الشعري  الذي يقود  الشاعر" إيل"، لتكون الإجابة أنّ

النصّ الشعري يعزّز قيمة الخصوبة المستقاة.

 

 

 

___________________________________

1_ شهقة الطين : ط1 جمعية عمال المطابع التعاونية 2001

2_ شهقة الطين ص7

3_ المصدر السابق ص11

4_ نفس المصدر ص32

5_ نفس المصدر ص51

6_ نفس المصدر ص64

 

 

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x