تبحث
معالم الاستقراء في
ديوان " الخروج
من سلاسل
مؤاب"(1)
عن لغة الضوء، لتصل في شفافيتها إلى
السحر الخفي
الذي يعيد للأشياء ومسمياتها، جذورها النابتة
من أعماق التاريخ.
ويتداخل
السطر الشعري في الاستقراء
ليكشف عن امتداد
التجربة التي يسعى
الشاعر عبد الله رضوان لتأصيلها،
والعروج
بها إلى فضاء
المحيط الملاصق لفعل الإشارة القادمة من
كهربة
الذات، بفعل
التداخل الجمعي للمسيرة الشعرية، إذ
يبدأ التداخل
من جلب حاسة المعنى
من بئره الأولى،من كفاية المنجز جلبا
قائما
على العملية
الجراحية التي يقم
لها رضوان كل ما تلزمه من
أدوات، لكي
يعبر بها إلى شرفة
الاستبصار والتقصي، لغايات
توليفها من
جديد، توليفاً قابلاً لمعاينة البصرية، والتخييلية، حيث
تتباين المعطيات
الشعرية حسب مقتضى الحال اللغوي.
" من هنا تبدأ
الجلجلة
من هنا تبدأ
الأسئلة
من هنا
من هنا يبعث الشعر والأخيلة"(2)
وتشتبك
مقامات الاستقراء مع ليونة اللغة،
وتحفز الشاعر
على التحليق بعيداً في فضاءات الشعرية، عبر ترسيم
كل ما تؤول
إليه الدلالات
من بعدها الأول إلى ترميزها، تحت
استقراء معالم
النص الشعري
منذ تكوينه حتى تفجير طاقاته
الكامنة، إلى جانب
أنها تبطن مالآت
النفس مهما تكشفت، لما تحمله من عناصر الجمال
الحسي وإدراك ماهية
اللغة وتجاذبها.
" هو النصر
يشرع أذياله في المسافات
تعبق رائحة الورد
والأقحوان
فتأتي الحسان فرادى
إلى الكوة الذهبية
_ هل تعشق الغيد؟
للقلب حالات موت
ألا تعرفين"(3)
وتحتل
القصائد أسوار البناء
الداخلي لعملية الانتقال
بالمفردات من
ظاهرها المستدام إلى باطنها الفاعل كونها الإطار
الأشمل الذي
ينفتح على القدرات
التخييلية وهو يواجه
جملة
الإيقاعات التي
تفرزها ليونة اللغة.
" أرى نسراً
يمتدّ فوق المدينة
طقساً وعشباً
وجمهرة من نقاط
التواصل
كوكبة من نبيين
يدعو الحباحب
والشعراء
الفراش الملون،
غمغمة الطفل،
والعاشقات"(4)
تستفز
قصائد الديوان طاقات
الخيال البصري، والتي ترتكز
على الإفاضة
في جعل نهر الموسيقى يقترن اقتراناً مع كل مقاماته،
وهي تدخل في سعة
إطلاق المعنى.
" يا نسر
هذي الجبال
البدائية الصمت،
توقد في العروق،
فتمضي
إلى البحر، من قال
هذا موات سأزرعه
عاشقاً للمدينة"(5)
وتشتمل
طاقة الخيال البصري على مساحات واسعة، وشهية
مشبعة بالنظر
إلى فتنة اللغة، لشعرنة كل ما تطاله يد الشعر، بلغة
فضائية تشتق
مقوماتها من مفردات الحياة.
" أخاف من
الخوف يأتي
يحدثني... عن رجال
مضوا...
لن يعودوا
لأن مسوخ القبيلة
أقاموا لهم في
الطريق الحرائق
أخاف من الخوف يأتي
قوياً
يخاطبني باسم أقصى
العتاة
ليمتصّ نسغ الحياة"(6)
وتتعالق
شفافية اللغة في
قصائد الديوان ، مع البنى
الإيقاعية
المتسارعة بكل ما
تحويه الجملة الشعرية من قياسات تخيلية، تبدو في
وضوحها منبعاً
لمائية المتغيرات التي يتعامل معها,
" والخوف
والموت صنوان
والخوف والموت
ليلان
نجمان، حيّان، ضدّان
والخوف والموت
للأرض
للحبّ، للشعر
عشقان"(7)
وينساب
الشعور الصافي عبر
مقامات لا تترك
مجالاً
للصحو، ففيها
من الدقة والتوازن
ما يجعلك مسحوراً
بكل
مقوماتها، وهي
تتدفق من جنان التجربة التي يفيض بها الحال، حال
الشاعر المكتوي
بنار التجربة.
وتحملني المفردات
الغريبة
نحو بحور من النار
والنار مملكة الفقراء
وهذا هو الشعر نار
أضمّ لظاها
فتورق بين أصابع
كفي قبرة
تهتف هذا أوان
الحرائق"(8)
وتتسع
القصائد اتساعاً أفقياً عندما تضيق
ملامح المفردة، ليتم
الحفر في عوالم
الحس، مع عدم غياب الوعي عن مسلكيات النص
الشعري، ثمّ
تسطر عمودياً عبر
مساحاتها المتعددة فضاءات
الوضوح، مستندة
على أوردة الدم
الذي يسري في جسد النص
الشعري، النص
المشبع بكل أدواته الفنية، وحيويته القادمة من ليونة
المفردات واستقامتها
على السطر الشعري، وتسلقها جذوع
الحياة
بتفاصيلها الدقيقة،
وهي تطارد نحلة
الإنسانية التي تمتص رحيق
وردتها، من
أجندة اللغة الخاصة والتي تحمل في جمالياتها ألفة
الطيور، وهي تراقب
الضوء والألم.
" يا شعر إن
المدائن أكبر من حدّ سيفي
ويا شعر إن الحرائق
أكبر من حدّ قلبي
ويا شعر إن الخليقة
تبني على قمة التلّ متكئاً
وإني أسير على
القاع وحدي
ويا شعر إن الملوك
الطوائف يبغون قتلي"(9
____________________
1_ الخروج من سلاسل
مؤاب ط1_1983 الأعمال الشعرية
ط12001
2_ الأعمال الشعرية
ص362
3_ المصدر السابق
ص364
4_ المصدر نفسه
ص369
5_ المصدر السابق
ص370
6_ المصدر السابق
ص378
7_ المصدر السابق
ص380
8_ المصدر نفسه
ص393
9_ المصدر نفسه ص
393
0 Comments: