نادر هدى
ديوان
" سأعدّ أيامي بموتك ":
من فضاءات تجربة قصيدة النثر ، اعتمادها على
أيقونة اللوحة هذه اللوحة التي لا تستطيع
الدخول إلى متنها ، إلا بعد أن تنقر بمخيّلتك على أيقونتها نقرة أو نقرتين ، لتفتح
لك صفحاتها صفحة صفحة .
ومن مرتكزات هذه اللوحة ، المفردة التي تقودك
إلى ساحة المعرفة ، بعد أن تجري عليها جملة من التأويلات ، وفق السياق العام
المرتّب، ترتيباً إيمائياً غير خاضع للمساحات ، بقدر ما هو خاضع للبرمجة .
ولعلّ من اللافت للنظر في تجربة الشاعر نادر
هدى ، هذا الإكساء المعنوي للنصّ الشعري ، وترتيبه ، وكأنه يضع أمام المتلقي ، ما
يمكن وصفه ، بالمائدة اللونية ، هذه المائدة التي تتقدمها أصناف الكلام ، وكأنها
خطوط سائلة ، غير قابلة للجمود .
" كان يلزم كلّ
هذا
لأقرأ سفرك الفضي
على آي
وحرف
من بهاء الروح
وجمر الألم
لأجمع بيدي دموعي
وأخطّ المداد
مداي في الهتاف
والكبد "
إن القراءة التي يستنطقها مثل هذا الرسم ،
تعتبر قيمة استثنائية للهروب من المساحات البيضاء ، فهي قراءة تجمع المعطيات
الذهنية للخروج من نقطة التشكيل إلى نقطة حصر المدلولات بجذرها الجمعي ، الذي
يتناول المفردة ككائن مستقل ، له مسيرته الخاضعة للخطاب الكلي الجامع بين
المتناقضات .
" المرآة \
كم سكنتك صورة
كم سكنتِ بها
الأواني \ الخوابي \
( المصاطب ) \
ظل البيت \(سيرته)
الساعة المتأخرة
الاتكاء على النافذة
رصد ( حسفة ) الباب
كم سكنتك صورة
كم سكنت بها ؟ "
الإيماءات التي تعمل اللوحة الشعرية على
حياكتها ، هي إيماءات ذات اقتصاد لغوي ، تصطحب الهيئة ، والمراد ، في سلة وعي
الفراغ بما وراءها من صدى ، لكي يستطيع البياض في المساحة الكلية للوحة ، أن يخفف
من حدة التوقّع الذي تسعى إليه اللغة .
" يلزمنا الكثير
لإحياء عروة بن الورد
لإحياء أبي ذر ، وحكمة
دريد
ساعتها فقط ،لن يكون
( زيتون برما داشراً )
ودخيلاً
يقوّض بناء البيت
"
هذا الاقتصاد في تناول المورث ، وإفصاحه عن عمق
البياض الكامن في تتابع المسميات ، هو جذر اللوحة الذي يسعى الشاعر إلى غرسه في
مداد الكلام ، ليكون محصوراً بين تربتين ، تربة اللغة ، وتربة التناص الشكلي .
" وكم نزف الجرح
من عذّاله
كم بجنح الليل ترب
الأرض احتسينا
فآهاً صرخنا
وقلت :" اثبت
أحد "
وارتوينا من أسفارك
الفضة ماء ،وجداول
فإذا الجرح مناجم
وإذا الآه تمائم
"
ويعي نادر هدى أهمية الإمساك بفضاء اللوحة ،
من خلال إحكام طوق اللغة ،على مجريات تنقّل المفردات بين البياض والخطوط التي لا
يقرّ لها حال ، وهي تسعى للعبور إلى باطن الفكرة .
" وأراك
قامة نخل \ حداءة
ركب\ قطّاعة صخر \
عرافة بحر\ نداءة
غيث\ عرافة دهر
أراك التنور إن فار
بالحكم ينطق
عبق التراب ،التراث
تعابير المقاصد
صناجة إن تشتّ
المنازع
تسكنين فيّ ، في نبضي
وفي كبدي
في احتواء التشكل
والتشاكل
في غياب الآخر "
إن هذا الاحتواء هو بحث دائم للوصول إلى شرفات
اللوحة وشعريتها ، والتواصل معها كركن أساسي ، يستند عليه الشاعر في مقاومة التصدّع
، في غياب الآخر الضمني بعد أن تكون
اللوحة قد أخذت زخرفها وازّينت .
" لا تقل ما فات
مات
ما فات كينونة للحياة
الأرض في أحشائها
الصخر
والتبر ، والوعد ، والماء
الفرات "
وكما يتيح الاشتغال على بياض اللوحة ، مساحة
ذات أطراف مترامية ، للنهوض بحقل المعرفة الذي لا يظهر دون وجود الإشارات المكملة
، والتي يريد لها أن تقيم صلة الوصل بين ماضيه وحاضره ومستقبله، وهي إشارات مشبعة
بالرؤيا .
" تنزف الكلمات
مرّاً
وفي المرّ وميض الجمر
في الجمر أسئلة لا
تبين
فيا أرض ابلعي ماءك
وتجلّي في الأنين
"
لا تترك الإحالات الباطنية للوحة أثراً فاعلاً
،دون أن تستند على إطلاق يد اللغة ، لتمارس سطوتها على الجزء والكلّ معاً ، فهي باستحواذها
على كشف الحركة الداخلية للمعنى ، إنما تستحوذ على قانون توليف المتغايرات .
" عناكب تشعل
رأسي
تهاويم ينخرها العريّ
عريي
تضلّ منازع إفك
تقطّع وجهي
وتعشبني نأمة ....
\
هو الليل أنسي
وإرثي
أاخيه يحفظ عهدي
ولي فيه ما أن أبيح ،
وعاء لسرّي "
وتعشش شعرية اللوحة في نصوص نادر هدى ، في
منازل الخطوط والفواصل والنقط وغيرها من إشارات ، تقرأ وفق حالة المعنى المسبوق
بالإرث ، والمنشغل بالذات القلقة .
" أم نحسب الوقت
جداراً ، ووقفاً
نولد لنحفره قبراً
أم نحن خارج كلّ هذا
نسترضع حكمة الكهان
؟"
وإذا ما أمعنا النظر في لوحات نادر الشعرية ،
نرى أهمية التقسيمات التي يلجأ إليها ، ليس من أجل العبث الشكلي ، بل لنلحظ أدقّ
التفاصيل التي يقوم عليها البناء .
" ضع بين فاصلة
الحرف ،والحرف
نبضي
تر قلبي "
0 Comments: