شعرية اللون في ديوان قماش العتمة

 


                                            د. علي هصيص

      ديوان " قماش العتمة " :


   يقدّم الشاعر علي هصيص في ديوانه " قماش العتمة " أدواته عبر جملة من الأمزجة الشعرية ، التي تضبط إيقاعاتها على منحنيات اللون ، وما يفضي إليه من تناسخ بصري.

   تتوسط الأبواب والأقانيم التي تتداخل فيها وشائج البنية الشعرية ورؤاها ، دائرة الضوء ، لتسلّط عليها أكبر قدر من الشفافية ، التي تخفي وراءها حركة الإيقاع والبنية والرؤى  سعياً لقراءة اللون ومجسّاته .

    ومن متناول العنصر الحركي لفعالية النظر ، وهي أولى مراحل البحث عن الدلائل الظاهرة ، في مكوّنات اللون ، يجري البحث عن الصيغ اللغوية القادرة على تبني حالتي الصعود والهبوط في المنحى الشكلي للنصّ ، ليكون متسقاً مع درجات اللون واعتباراته .

   رغم أن صفة العتمة ،تقع دائماً في إطارها الفردي ذي الدلالة اللونية المحددة ، وفضاؤها الأسود ، إلا أنها ، ولكي تحدد محدودية هذا الإطار ، لا بدّ لها من مجسٍّ يقوم بإسناد فعالية العنصر الحركي ، لفرد أو إحجام أو توسيع رقعة الدلالة . 

"أوحى بصمت

من ثلاث ليال

وأعدّ متكأ

وزاد فهارس الطيران أسطر صفحة

فازداد شهراً شهرزاديّ الخيال

من ألف ليلته

أوصى بحلوى الشمس نأكلها

ونرشّ سكّرها على كرز الطفولة

متعبين سنشتري بالدرهمين ،ومنشدين

سنحتفي بالشمعتين ، ونائمين على

بساط الريح نلعب بالرمال "

   فإذا ما نظرنا إلى العنصر الحركي ، فإننا سنجد ما هو ظاهر وملحق بالنصّ ، " ليال ، ليلة ، الشمس " ، وما هو متوار في المتغيّر اللوني ، " أسطر ، حلوى ، كرز "، فالنصّ في المعطى اللوني ، يحاول أن يوازن بين الظلّ وظلّه ، تحسباً لأيّ طارىء ، ربما يحدث على تداخل المفردات وتمازجها.

"الحقول البعيدة

والمزيد من المشمش الجبلي

سكّر فوق ما كان ذوباً وذوقاً

دونه عنب

أخضر الروح انقى

رحلة

باتجاه الأماكن تلك التي تنحني

باتجاه المساكن شرقاً

ظلها كرز وتوت

الحقول البعيدة فيها أموت "

  يبدأ اللون نسيجه الخاص من حركة داخلية ، تسيطر على حركة الخارج ، تدبّ في مفصل الكلام ، وكأنها تلحق بالصفة اللونية ، ما يمكن له أن يضيف لها بعداً جديداً ، فامتزاج لون مائي مع لون بصري ، يمكنه أن يشكّل قيمة تجسيدية لرؤيا الشاعر ، قيمة منضبطة مع إيقاعها الحركي  فالأحمر ،والأخضر ،والأصفر، ألوان بصرية ، يحدد مسيرتها النصّ عبر توليف الظلّ مع المساحة المتبقية من البياض .

"منذ ثلاث

والساعة ما زالت ثالثة

أتوقف عند مرور عقاربه

لأصير تمام الواحد

خالٍ من كلّ أناي

أرق ملتصق

والوردة واحدة في كأس العتمة

لم ترسل لون الماء

فلم أنس يديّ

بيديّ حملت يدي

وأرسلت قماش العتمة "

   هذا التشيّع لحركة الداخل ،يستثمره الشاعر لغايات بناء مفاعل لوني، تنتج عنه ذرّات حرارية تضبط إيقاع الخارج كما تريد ، فهو يدرك تماماً أن الحركة المستترة في بحيرة الماء ، سوف تغدو حركات متعددة لحركة واحدة ، تشمل الألوان جميعها.

"غداً مطر

مساحته السماء

وعاؤه الأرض

بوادٍ غير ذي زرعٍ

بلا عمد تعلّق في هواء الدار

طهر من تراب يختلي في غرفة الأرحام

ينجب ما أراد من التقاويم القديمة "

  وللبقاء على قيم التشيّع النفسي لحركة الداخل ، يبدأ الشاعر بتقديم نماذج أكثر التصاقاً بالواقع المضاف إلى اللون ، في محاولة استطرادية لقمع منازل العتمة ، ولكن هذا التشيّع الفطري ، لحقيقة حركة الألوان ، يمضي قدماً في تقديم نماذج أكثر إشراقاً ، لحضور حركة الخارج ومستلزماتها .

 

"سنطير نحوك

نشتري بالدرهمين هديتين

ومن سلال التين نأخذ حبتين

وما تبقى من جنى العيدين إنّا

كلما طرنا إليك

ازرقّ كوكب مائنا

هي أرضنا"

  وللتأكد من هذا الفضاء الواسع للتبادلية اللونية ، يستعين الشاعر بحركة جديدة ذات مسار أفقي ، من خلال تسليط الضوء على مفردات اللون .

"منذ سبع سنين

يرسمون على الورقات

احتراق النبات

قليلاً ، ويمضون نحو عشاء ، ومدفأتين

تروح ، وتصنع قوتها

دون سكّرها

فيذوب الحنين كقلب نزف"

  وتسطع خيوط القماش دفعة واحدة ،في نصّ محايد ،لفهم فردية اللون ومجساته، عبر تباين درجة السطوع بين الحركة الداخلية"حركة الذات" وبين الحركة الخارجية وما تفضي إليه من دلالات " حركة اللون "،وقد تحرّكت بنية اللغة ضمن مسار هاتين الحركتين .

" خائفاً باتجاهي

وأبي توته شجر

أسود الزرع أحوى

قوته ثمر،

ناضج السرّ ،

لما طغى ثم أغوى

شجر توته ،

 يا أبي

لمْ أكلتَ ،

وقد تعلم اليوم ،

أنك تخرج منها فتشقى؟


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x