شعرية التوقع في ديوان - رماح في خاصرة الوجع

 


عمار الجنيدي

ديوان " رماح في خاصرة الوجع " :

 

   تضطلع القصيدة الحديثة بترتيب الإشارة اللغوية حسب الأنساق الخاصة بتوهج شعريتها الكامنة في المتخيل ، من خلال تفريغ السياقات المعجمية التي اعتادت اللغة الركون إليها في مواجهة الذات وتقلّباتها .

   وإذا كانت هذه السياقات المحمولة على المنجز النثري العربي ، تمثل وعيها ، فإنها في المنجز الشعري غير قادرة على تمثّل حراك اللغة الجوفي، كم أنها في هذا السياق المعجمي تعتمد على ذاكرة نقلية غير قادرة على مجاراة السرعة التي تتعدى حدود الثبات ، بينما في منجزها الشعري ، تعتمد على  الانسلاخ عن المظهر الشكلي ، واندغامها بالسيولة الناتجة عن احتكاك المفردات بالحواس  وهذا ما ينبىء بجوانية الصراع القائم في حراك اللغة وهي تشهد مدخلاتها الجديدة .

    كان لا بدّ من هذه الإشارة إلى هذين النسقين اللذين يحملان اللغة في المنجز النثري والشعري ، لإضاءة شعرية التوقّع ، التي تسعى إلى تصدير الألفاظ في ميدان التخييل ، من حيث اشتمالها على تراكماتها النفسية ، الخاضعة لقوة حضور الواقع المنشغل بذاته .

   تبدأ شعرية التوقّع من خفض حالة التوتر في النصّ ، ثم تتمركز حول صيغة انتقالية لا تبدو لها ملامح في الإطار البدئي للنصّ ، حيث تكون منشغلة بترتيب الفضاء الأول للكلام الشعري ، لاستقطاب فعالية الموازنة بين التراكيب الخاضعة لمحمول الواقع ، والتراكيب الخاضعة لإقامة علاقة التباين بين المفردات القادرة على جلب المفارقة .

" كلّ حديث

لا يأكل من لحم معاناتي

محض تفاهة

محض حديث أرعن "

   وتبقى الحالة قائمة على التبادلية لقلب حالة التوتر إلى إيقاع ملموس ، بمساندة تخيلية مصاحبة لحركة الذات الكامنة في الخطاب المباشر الذي يمتح من الواقع كافة عناصره ، في محاولة للإحاطة بجملة المكونات الحدسية التي تراوغ النصّ ، ليبدو خادماً أميناً لفعالية التوقّع

" سرٌّ واحد

عن هذي المرأة أخفيه

لو عرفته

لجاءتني

حبواً !! "

   إنّ هذه المرونة في التعامل مع بساطة الأشياء ومنظورها السطحي ، ما هو إلا مقدمة جادة لإحداث حالة من التوتر تصطادها مفردة القفلة، لتمضي إلى أبعادها الزمنية ، لغايات تقريب الفضاء الأكثر كشفاً وإشباعاً ومرونة للبحث عن الصورة ومعكوساتها .

" أخذوا قصائد عمري

قالوا لصديقي : أحرسها

ويح قلبي

لقد أوصوا ذئباً على غنماتي "

  وتستمد شعرية التوقع حضورها من الإقلاب العضوي بين الذات وهي تشدّ أزرها بمعطيات الواقع التي تبدو كمسلة في ثوب النصّ ، تخيطه بشكل المفردات وقدرتها على المراوغة ، ومحور التناص الذي يسعى إلى إبراز رؤية الواقع بما هو مغاير ، ويبدو أيضاً هذا الإقلاب العضوي للنصّ كمرآة ناطقة بلسان الداخل البيني ، بما هو كائن في الرؤيا ، وبين الولوج في حقيقة المسميات .

" يا مريم

يا سيدة الطهر الأبدي

لماذا أنجبت نبياً ؟

نحن الواشون به "

  هذا الإقلاب العضوي للجملة النصية، كان يسير باتجاه مغايرة البناء الخطابي ، بعد أن أخفى مدلول الإجابة ، لهذا استدعت شعرية التوقع ، جملة غير اعتيادية في محاولة للمراوغة ، والسير بالجملة النصية إلى بعد ارتكازي آخر لا تتوقف عنده شعرية النصّ الكلي .

" صوت المهباش أعرفه

ما زال جريحاً في أذني "

  وتستثمر شعرية التوقع هذه البنية المراوغة ، لإقامة جسر التوازن بين لغة الذات ، ولغة الفعل الشعري

" القصيدة حلمي

عليها أتوكأ

وأهشّ بها غدر الزمان

ولي فيها مآرب أخرى "

  من هنا نجد أنّ شعرية التوقع كثيراً ما تلجأ للتناص ، في محاولة لقراءة عمق الواقع ، بالإضافة إلى أنها تحفل بالمتغيرات التي لا تسيطر عليها لغة ، بل تبدو وكأنها تشكل لغتها الخاصة غير المقروءة ، تحسها وأنت تحاول تفكيك مفرداتها ، إلى جانب أنها تكتفي بالإشارة السريعة لمادة التناص ، لتستسلم بدورك إلى لغتك الداخلية، وتكلفها بمشقة البحث بين متغيرين ، التوقع والتناص ، عن مرونة المسافة الزمنية واختزالها .  

      


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x