شعرية الحركة في ديوان - مرايا مغلقة

 


أحمد كناني

ديوان " مرايا مغلقة " :



   لا بدّ لكلّ نصّ شعري من رنين مغناطيسي ، يجذب عمق الجهات التي يتحرك عبر وسائطها المادية والمعنوية ، الرنين الذي يتقدم كلّ صوت محمول على المفردات ، ولا يعتبر بالضرورة صوتاً إيقاعياً .

   إن حرية الحركة التي يلتمسها النصّ الشعري، أمام الصراع التركيبي للمفردات ، تنشأ من رؤيا خاصة بالتقطيع  التقديم ، التأخير ، النسيج ، التشظي ، فهي حركة تستثمر مجريات المتن الشعري ، وتقدمه على أنه حالة مفردة ، بعيداً عن القياس اللغوي للمتن .

   " مرايا مغلقة " ديوان الشاعر أحمد كناني ، يوظف هذه الحركة،لاستحضار ما وراء الإسقاط النفسي ، من قوالب جاهزة ، يدفع بها لتحتضن الأثر ، وهو المعوّل عليه لبناء خاصرة المتن الشعري .

" يتنكر للإيقاع

يجانب

مجرى الفكرة

يهدم

أبنية المعنى

هب أن الشاعر لا يرضى ؟

الشاعر أستاذ الفوضى

ممحاة الهندسة الموروثة

هادم سلسلة الأنساق

ومبتدع الرفضا "

   تضغط الحركة في هذا النسق الشعري ، على أيقونات الفعل الثابت في المستوى الحركي للنص ، حيث تلجأ لفكرة الهدم ، وهو جزء حركي ، يقابله جزء آخر يختفي وراءه البناء ، ولا تظهره إلا صورة الشعرية التي تقيم للأثر مكاناً خاصاً في فوضى المتغيرات.

" اللغات مرايا

تحاول أن تصف القلب

تؤسس مملكة للبوح

فتخطىء

تاركة ظلاً أعمى

للقلب هناك "

   لكن هذه الحركة التي تحقق مستوى متقدم من البناء الخفي ، تعتمد اعتماداً كلياً على أوجه المغايرة التي يبحث الشاعر عن خيوطها ، فنلحظ ، بعد حين من الهدم ، أنه يكشف عن هذه الأوجه،من خلال تقنية الانعكاس ، انعكاس الأثر عن المحمول .

" اللغات سفائن

سوف

تأتي إليك

حاملة

جثة البوصلة "

  الحراك الأول الذي تحدثه شعرية الحركة ، هو أن تقدم بين يديّ النصّ ، ما يلزمه من فعاليات مختلفة ، تظهر على مساحة الأثر، وهي ما يترك للنصّ من حالة تقابلية ، أو حالة اتصالية ، يستخدمها عندما تتشكل على شاشته الخاصة ما يمكن تسميته بالدرع .

" ولد يحفر في جسد الشجر اليابس أغنية

فيحلق سرب السرو

ويبدأ قلب الشارع

ب ا ل خ ف ق ا ن " 

  ومن التقنيات التي تلجأ إليها شعرية الحركة ، إرجاع المفردة إلى أصلها إذا جاز لنا التعبير ، كما نلاحظ " بالخفقان " ، فهو إذ يقسمها إلى أحرف ، إنما ليشير إلى المدى الزمني الذي يستهلكه من أجل الوصول إلى هذه الحالة ، وهذه بحدّ ذاتها تقنية تسهل وصول الجمل السابقة إلى الذات ، عبر وسيلة الانعكاس " المرايا "

" لأنثاي

تنسج ليلي البهيّ

كما أشتهي

قهوة

كي تفيق المرايا الكسولة

من نومها في الجدار

فتأخذنا طازجين إلى

غرف الرغبة المشرعة "

     إن محاولة كهذه تسترعي الانتباه، إلى أن شعرية الحركة تسبق تقنية الانعكاس ، وهي بذلك تقودنا لربط هذه الشعرية ، بشعرية اللقطة ، لما لها من أوجه تتشابه في سياق ما يحدده المعنى والظل، فالمرآة عاكسة ، وليس قارئة  كما هو حال البياض .


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x