شعرية الزمن في ديوان - إياك أعني

 


عبد الكريم أبو الشيح

     ديوان "إياك أعني " :


   الولوج في حضرة الزمن لا يحتاج إلى مذكرة ، لأن المسافة في الذاكرة المعرفية ، هي مسافة وهمية ، يقطعها النصّ الحركي في أقل من طرفة عين ، وإن كانت ذات مفاصل ، لا يخترقها إلا من استطاع أن يجلس بين مفردتين  المستقبل وما يحمله من استشرافات ورؤى ، والماضي وما يختزله من فيوضات .

   ولا تعتبر عتبة الزمن في الشعر العربي ضرورة قصوى، إلا بحدود ما يحتاجه النصّ المعاصر من إسقاطات  لا مثيل لها في الحضور الآني .

   وباعتقادنا أن شعرية الزمن لا تقوم إلا على طرح الأسئلة ،لما تمثله الأسئلة من بوابات محملة بالأشياء ونقائضها ، وهذا ما لمسناه في ديوان " إياك أعني " للشاعر عبد الكريم أبو الشيح .

" لماذا كلما حاولت أن أنسى

تفيق بك الحياة

وتبعث كلما صلبتك سيدة على أهدابها

طيناً يحن إلى الوراء

ولا وراء

لا أمام ولا وراء"

   يمكن القول بأن العتبة الأولى لشعرية الزمن هي النفي ، نفي الموجودات ، وإلحاقها بما هو مبطون في الكلام ، لهذا يسترعي انتباهنا ، وقع حجم اللفظة وهي تمرّ في النسق التكراري ، لتحريكها وفق ما يبدو ظاهراً أنه وجود ملزم ،

" أنا الزمن المهرّب من رماد الحلم

في عين الحبيبة

توحّد تحت جفنيّ المسافات

أقطعها

فتقطعني

أجاسدها

أقطّر في خوابيها شتائي

فتقذفني "

  إن البنية الدلالية للزمن لا تستقر على حال ، وهي تستعد للكشف عن حقيقة المسافة الوهمية ، لما لهذه البنية من أفلاك تحتشد حول مداراتها صور الواقع المهرّبة ، والتي تعكس بدورها شحناتها المغناطيسية ، ليشاركها الزمن هذا التلبس ، فتصبح المسافة مسافة مقروءة في إطار ما تقترف من شعريات ، قادرة على إعادة برمجة الزمن من جديد .

" أنا الزمن المغامر بين ثانيتين

من ثلج ونار

يساكنني المكان

فأعانق الصحو المخضّب بالوجع

في النهود الحوامل "

   نلحظ مدى أهمية القطع الزمني الذي تلجأ إليه الشعرية ، إذ تختزله بين ثانيتين ، هما إيقاع الصحو ، وما يحمل من شحنات واقعية ، وما يمثله الثلج من كتلة افتراضية تستمدّ وجودها من ثبات الزمن ، وإيقاع المحو ، وما يحمل من رؤى ، وما تمثله حقيقة النار من كونها المحرّك والكاشف .

" إهدئي

يا ساعة ملعونة على الجدار

يا مومساً تسوطنا دقاتها

تروضنا

لنلعق الغبار عن أثدائها

لنلعق أل

فلتسكتي

أريد أن أنام "

  ولا تكون عتبة الزمن إلا واقعاً مرئياً في شعرية الزمن ، فالساعة وما تظهره من وجود مادي للزمن ، لا تظهر إلا بعد أن تكمل الشعرية فضاءها الموصول ، ويستطيع الشاعر من خلالها تلمس الماضي بكلّ أبعاده .

" في العام الألف

يا هذي الأرض

_ والنائم في النوم يرى_

أن الأرض امرأة تسّاقط_إذ تسمع باسم الحجاج_

عباءتها

يحصد حقل القمح بنهديها

ويفيض بيادر رغبة

في حضن الألف

ورأيت بأن الأرض

تتحول حين نمدّ إليها الحلم إلى أفعى

تتلوى ،ترقص، تلتف

تغرينا بالحقل ، وبالبيدر ، لكن...

مسبوقاً بالسين وسوف "

  في واقع الحال ، وكما رأينا ، لا تشكل عتبة الزمن إلا مرحلة أولى لتبني الأحداث ، لذلك حينما تتوصل الشعرية إلى عمق المتغيرات التي تحدث على سفينة الزمن ، تحمل مفرداتها باتجاه ما سوف تفصح عنه قراءة المتغيرات .


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x