شعرية الألم في ديوان - ندم الشجرة

 


عطاف جانم

                                       ديوان " ندم الشجرة " :


  بعيداً عن إيقاع الشعر ، يستحث الألم مواكب المعنى ، لتسير خلف النصّ ، وهي في طريقها لتفكيك الذات ، هذا التفكيك الذي يجعل منه الألم ، فضاء ثابتاً ، غير قابل للتحرر من المعطيات اللغوية التي تدخل في مساره فجأة .

   وإذا ما أمعنا الذاكرة في شعرية الألم في التجربة الشعرية العربية ، فإننا سنجد دورانها في فلك المعنى ، وما يقدمه من هواجس ورؤى تعتمد عليهما الذات ، في إفراغ حمولتها من الحياة ومرجعياته .

   بالمقابل نجد أن الألم هو قرين قصيدة الاغتراب ، ولا يقوم له مقام ، إلا إذا كانت محطّ إفرازاته النفسية ، ومحفّزة فعاليته ، ومنتجة ألفاظه ، وقارئة أسراره .

   في ديوان " ندم الشجرة " للشاعرة عطاف جانم ، تتبنى شعرية الاغتراب ، شعرية الألم ، وهي تسلك محور الزمن  إذ أنها تعي بأن الحمولة الملقاة على عاتق الذاكرة ، حمولة ذات جذور نفسية ، لذا ، لا بدّ أن تشبع طاقة الانفعال المتجسّدة في الرؤى ، لتحصل على قيمة معنوية له نفس المدلول الزمني الذي يتوسّط الألم والاغتراب .

" كنت أسرج ضوء القصيدة

أعدو بشعلتها بين منفى ومنأى

حينما باغتتني مواويلك الراعفة

ألأجلو مراياك

أم لأغسل في فضة الروح

قمصان زلاتك الفارهة "

   يقودنا المقطع السابق إلى أن نحدد الملمح الأساسي ، لبروز شعرية الألم ، وهو إضاءة الروح ، وجعلها الموّلد الحقيقي ، لنغمة الذات ، بعد أن تكون قد اشتبهت بوجود عنصر تدميري يحوم حول مقتنيات الروح ، هذه المقتنيات التي تبدأ بالانحسار ، في لحظات يكون فيها الزمن محرّكاً للذات، لا ناطقاً باسمها ، فيما تنطلق جوانية الذات للبحث عن البدائل .

" مسيجة بنوايا المياه

مسيجة بخبايا الصرير

مسيجة بمرايا الخواء

وطمي العناء بهذي الجزيرة

يمتص نسغي ،

ويدلق عن كتف العصر صوتي

فكيف أواجه موتك وحدي

وكيف أقايض هذي السويعات

كيف تتروى ،

فأجمع بعضي "

   أمام هذه البدائل ،تبدأ شعرية الألم بالانفتاح على المسببات ، لغايات ربطها بالحواس ، وطرحها على بساط التأمل ، ولا يؤتي هذا الانفتاح ثماره ، إلا إذا التمّت الذات على نفسها ، وبدأت بقراءة الحقائق ، من أجل أن تعلو على الشواهد ، لا أن تكون شاهدة فقط.

" دموعه خرز شوكي

يسحّ على مهل

من عيوني "

  وينأى الصوت الداخلي بشعرية الألم ، ويحاول تحفيز الذاكرة المعرفية ، لاشتقاق ما يوازيه من عصب يجعل الذات قادرة على الانفلات من قيود الزمن ، ومرارة الحياة  لذا لن يكون أمام الشاعر سوى اللجوء إلى الشعر ، سيد الممكنات .

" ها أنذا أتفلت من إسار بيت العنكبوت

أحرر عنقي قليلا

من ضغطات قبضة العمل المميت

وأنسلّ إليك

أوافيك دونما مواعيد مبرمجة

فيا سيدي الشعر

أمامك وحدك

أعري الروح من أقنعتها

أغتسل بماء الطفولة والنقاء "


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x