شعرية الاختزال في ديوان - مداد الروح

 

حسام العفوري

ديوان " مداد الروح "

 

  يرتهن النفس الشعري على ملاحقة الوعي بالبناء المعرفي لأهمية تحديد الجهة التي تؤول إليها اللغة ، من حيث اقترابها من بؤرة تمركز الحدث الشعري ، وهي بذلك تسعى إلى تتبع مجريات القول بعيداً عن فائض ما تنتجه من تفاصيل ربما ترهق هذا النفس الشعري.

  وإذا كان هذا التتبع مبنيّاً على اللحاق بالمفردة ، فإنه في تجربة الشاعر حسام العفوري في ديوانه " مداد الروح " مبنيٌّ على تأصيل المفردة وهي تندغم مع ما يقابلها في التركيب اللغوي

" والدرّ في حدر

كالماء منسرب

كفّان من مطر جاءا مع الحزن

في كل ناحية

والدمع منسكب

كالطير في سهب "

  إن ثيمة هذا الوعي مناط بالقدرة العالية لاكتشاف التوتر الصوتي الذي تحدثه المفردة في انسيابها الشعري

" قالوا زمانك بطن الأرض موئله

                  قل نار ثورتنا في جوفها شُعلُ

حوريتي سبقت أحلامها سِنة

                  كما سرى نجمها يرنو له الأملُ

هذي عيوني ففيها الشمس مبصرة

                   تنير حولي ونور الحقّ مكتملُ

  إن هذا الإيقاع المتسارع للمفردة وهي تسعى لامتلاك صوتها المعرفي يحدد مسار العملية الشعرية برمتها ، فهي وإن بدت ذات فعالية بطيئة المعنى ، إلا أنها في السياق الجمعي لتوالد الأصوات تتناسخ لإنتاج معنى كلّي يبدأ من اللغة وينتهي بالإيقاع

" تجيء إلى شواطئنا

على لوح

من الخشب

لتنجو من عذابات

وترفع موجة العتب

تحفّز أمة عاشت

ذهاب اللبّ والقلب

فلا أحد يناصرها

وقد غابت

بواكيها

من العجب "

  وتتمكن الأصوات في شعرية الاختزال من دمج النبر الصوتي بالمعنى اللفظي المنسحب على تدافع المعنى ، وهي بذلك تحقق ما تسعى إليه الرؤية من دوال تتصل اتصالاً مباشراً بالصوت

" ما بال بلبلنا بحّت معازفه

                   ومربع الفكر قيد في فيافينا

أصخت للصوت إذ يشجو بلا أمل

                  والحال بعد رحيل العزّ يدمينا

حتى إذا سمعت أشجان عازفنا

           شجت رحى اليأس أفراح الصبا فينا

   كما وتحتل المرتبة الصوتية الأولى في الإيقاع اللفظي في شعرية الاختزال منزلها الأثير باستدعاء المعطيات النسقية التي يقوم عليها الصوت باتصاله مع المفردة وهي تتقدم البناء العضوي في النصّ

" امنحيني

دفء صدر وعيون

وانظميني

بيت شعر

وانثريني

في سماء الوجد ليلاً

واذكريني

علني أمطر حباً

من حنيني

أو أشقّ الصخر مجداً في يقيني "

  وتتعمق فعالية هذا الارتباط العضوي للنصّ بعد أن تكون سردية الكلام  في عباءة الهمس قد أوفت منجزها التكويني لدخول الصوت كما لاحظنا في المقطع السابق ، إذ تناوب الهمس حصر الإيقاع الصوتي في البناء العضوي ، لينتج عنه الفعل القائم على استحداث الصوت في جملة " أو أشقّ الصخر وجداً في يقيني "

" أسير على موج الصباح مداعبا

                   جدائل ليل خلف ملمسها الردى

وأدنو بقلب فوق غصن مدلل

                  وأهفو لتقبيل الورود على الندى

تودّ زهور الحيّ ترفع هامها

                   إذا شاهدت مني بزوغاً لها بدا

طرقت على باب السماء فطلّ لي

                   ببهجتها المشكاة نوراً به هدى "

نستطيع أن نحدد إذن البنية الصوتية في تجربة حسام العفوري بثلاثة خطوط تتقدم العملية الشعرية ، فيتمثل الخط الأول بإشعال البناء اللفظي الصوتي الخاضع لرؤية الشاعر ، فيما يشكل الخط الثاني البناء التصويري النسقي والمتمثل بالكلام المهموس ، بينما يحدد الخط الثالث العلاقة القائمة بين البناء الفظي والتصويري لاختزال جملة الأصوات التي يحدثها الوعي المباشر بالكلام ومدلولاته ، وهذا ما نطلق عليه بشعرية الاختزال ، وفق معادلة نسف الأنساق الصوتية اللفظية والتصويرية ، في جملة واحدة تختزل الصوت بأكثر من هيئة .

" أحديثك ريح هدارة

غضباً ينفث في وجهي كالنار

أم عشق ممزوج

بحرارة تموز الغادي

يلفح عينيّ مراراً تحرقني

بل تجعلني كالعصف المأكول "


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x