شعرية الحلم في ديوان ليس بعد

 

 

صفاء أبو خضرة

ديوان "ليس بعد "



  ربما تختصر المساحة الواقعة بين الشعرية والنثر ، من خلال تفويض المفردات بقدرتها على بثّ ما يمكّن النصّ من الانسياب وراء البناء التركيبي ، وهو يتقدّم لاحتواء الجمل الشعرية الخارجة للتو من عملية الاستنساخ النثري ، وهذا ما يمكن لنا أن نطلق عليه الفضاء الوسطي ، بين إقامة الرغبة في نشل المفردات من عاديتها القاموسية ، وبين الاتكاء على بعدها القرائي المتخيّل .

   ويأتي الاستنساخ النثري من واقعية النصّ ، كونه واقع تحت تأثير المادة اللغوية الضاغطة على عصب الإيقاع ، من هنا يتبدّى لنا المحور القرائي الذي يحتاج إلى اجتماع الحواس الخمس مضافاً إليها الحاسة السادسة ، " التخييل " للولوج في ثنايا النصّ المركب من المادة الشعرية في البناء والمادة النثرية في استخدام الألفاظ بأبعادها المختلفة

   كلّ هذا يبدو واضحاً في ديوان الشاعرة صفاء أبو خضرة "      لقربه من الصورة الكلية لنثر الشعر أو شعرنة النثر ، وهو ما سنلمسه من خلال إلقاء الضوء على شعرية الحلم في معظم ما تكتبه الشاعرة   

  تبدأ اللغة في شعرية الحلم من استنساخ الواقع المرئي، في محاولة لإعادة ترتيب بنيته الفضائية، حيث يرتكز المناخ الشعري على مادة نثر القول، بعيداً عن إحداث جلبة للمفردات، وكأن الصور الشعرية التي تتلاحق فيما بينها، تبني عالمها المهموس من دوران الحواس على إمكانية تجزئة المعطيات التي تدخل في بناء العالم الكلي للشعرية الواقعة تحت تأثير هيمنة المفردات

"حرة

لا حياة بثدي الحجر

هكذا

يطعن الضوءُ خدّ القمر

حرة

ما دلى دلوه نشوةً

ممعناً يملأ الماء صفو المطر"

  إن هذا الدوران الذي يبدأ من تصوير واقعة المعطى الشعري، هو دوران استرجاع ما في المفردة من طاقة تخيّلية قادرة على بناء عالم أثيري، تروق له المسميات، وتسقط في فلكه بلا أدنى جلبة يمكن أن يثيرها الالتفات إلى الفضاء المغاير للحواس،إذ أنه يبدأ من حصر المسافة بين ما هو شعر وما هو نثر شعري

"يركض الدمع مستلقياً

في الطريق

هارباً يمتطي فسحتي في المضيق

إنني حائر بين مدّ وجزر

أسأل البحر هل يستريح الغريق؟

لا جواب من البحر

يشفي غليلي

لا انعكاس

ولا شعلة من بريق"

  كما أن شعرية الحلم تذهب بعيداً في تداخل المعطيات، من حيث أن لها قدرة على التعاطي مع الجزئيات، كما لو أنها كليات تقوم مقامها دون ارتياد مهاد التفاصيل في الواقع الشعري

"حرة إلا مني

أحبك

تشهر في قبلة روحي

نزق البحر

ارفع إليّ وميضك

وبعد

لك القبلات

أحرّ من جمر الغضى"

  ولأن التفاصيل في شعرية الحلم، لا تؤكد حضور الواقع بكافة معطياته، فإن مثل هذه الشعرية تقود بالتالي إلى مزاوجة النثر الشعري مع الطاقة الفضائية المتخيّلة التي يسعى إليها النصّ، كما هو في المقطع السابق، ولكن هذه المزاوجة لا تطول،كون الطاقة الفضائية المتخيّلة تسحب المفردات إلى التعامل مع اللغة كونها إطاراً فضائياً منفتحاً على كافة الاحتمالات

" بهدوء

أغزل السنوات

على شفتيّ

أجمع وجهك

فيّ

وحين يلمس البحر

جرحيَ

الأبديّ "

 وتستأثر شعرية الحلم بالهوية، هوية الذات،غير آبهة بما يتلاشى من معطيات الواقع، لأنها بهذا الاستئثار تؤكد حضور المسمّى، وقوة ارتباط الذات بالنصّ، لذلك لا يعود للكلام أثر، أمام تداخل الأحداث

" لكأن الكلام انتهى

لما نطقت عيناك

باسمي

تاهت أجساد عن ظلها"

  وأمام هذا التداخل لا يركن النصّ لاتجاهاته الشعرية، فقط يسعى إلى تقصير المسافة بين ما هو شعري قائم على التخيّل، وما هو نثري قائم على إعادة اللحمة للمفردات وهي تبحث عن ظلالها في القول

" ها أنذا

تحت ظلّ السماء

أسأل كلّ الدوائر

والأشكال

أنبش الحناجر في الجذور

...كنت

للريح ضربتها الأولى

أولى الغيمات"

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x