شعرية الأيقونات في ديوان - صهيل الأصابع

 


 

حسن ناجي

ديوان " صهيل الأصابع " :

 

  الشاعر حسن ناجي يؤسس في ديوانه " صهيل الأصابع " برنامجاً متنقلاً في الشعريات ، والتي يستودعها عبر تقنية الأيقونات ، ليجعلها وقفاً على الإشارة ، إشارة الإصبع ، وهو يضغط باتجاه فتح ملفاتها .

   حدود الإيقونة الشعرية لا يتوقف على مساحة المتن ، بقدر ما يتوقف على أهميته ، من حيث الفعالية والتخطيط والارتكاز ، وإذا ما حصل للحالة سعة امتدادية ، فيتقدم الصوت نحو إشارة الإصبع،

لتأخذ دورها في الضغط على المساحات الفارغة في المتن .

" النون

نصف اللغة

ونصفها الثاني

تاء التأنيث

وأنا بينهما

أصوغ الجمل المشتعلة "

   لقد استطاع هذا الوعي والرغبة على الانفتاح على وسيلة اللغة ، بالاتجاه نحو محورين اثنين يقودان نصوص الشاعر  محور الفراغ ، ومحور الاتكاء ، محور الفراغ الذي يسعى إلى تعبئته بالبيانات ، وأقصد بالبيانات الشعرية ، المحمول المثبت على مساحة اللغة ، كونها المنجز الأول الذي تتشكل منه الأيقونة الشعرية ، ومحور الاتكاء الذي يستند إليه في تشغيل الأيقونة بما يلزمها من شحنات .

" في ذاكرة الشارع

وقع أقدامه

لهيب عينيه

ولهاث التعب

والنافذة التي تعوّدته

باردة..باردة

تفتح صدرها للريح

وتشرب الصدى"

   ولعل هذه المرتكزات الماثلة في النصّ السابق ، " الشارع ، عينيه ، النافذة ، تفتح ، الريح " تؤكد جوهر الأيقونة التي تحفل بالأثر البائن الذي تتركه في وعي المتلقي مثل هذه المفردات ، وإذا ما تابعنا قراءتنا لزوايا الأيقونات، سنجد أننا أمام حالتي المحو والإثبات ، فالأيقونات الشعرية من خصائصها ، القدرة على تحريك وتشغيل الأمر الشعري ، ومن خصائصها أيضاً محو المدوّنة التي خطّت على عجل ، وهي بذلك تساعدنا على فهم الاختزال والتكثيف المناط بالقصائد ، اختزال المعنى ، وتكثيف اللغة ، وهذا ما يظهر جلياً في الديوان .

" في محرابها

أجلس خاشعاً

تناديني

يرتبك جوابي

وأتفيأ بصوتها

متمتماً

أنا قادم "

  ما يلي الفضاء الأيقوني ، هو حدود الشعرية ، وهو على أهمية ما له من قوة ضاغطة ، تستبعد دور البياض في الصفحة ، فإنه يشكل مستوى آخر من التجريب الشعري ، لهذا لا نلحظ في الأيقونة سوى محرّك فاعل ، يؤشّر على صوت الشعر مهما كان مضغوطاً خلف الصدى ،هذا الصدى الذي يسبق الصوت في الخطاب ، والتي تتيح له الأيقونة فرصة القراءة من على شاشة الصور .

" الأزميل يهمس

في طين الرخام

كن تفاحة

فيصير الرخام خطيئة عارية

وتكثر النذور "

  وفي عودة إلى تلك الثنائية " الفراغ والاتكاء" ، نستطيع أن نعاين المخاض الشعري المسبوق بالحفر ، حفر التربة المخصّبة التي ستبذر عليها ملفات الأيقونة ، حيث يستهل المبرمج " الشاعر " خطابه الذاتي ، بتحميله على قرص اللغة المدمج ، وهو ما نسميه ب ( كتلة الفراغ ) ، ثم يعمل على تقسيمه إلى نقاط رئيسية ، نستطيع من خلاله النفاذ إلى قرص اللغة المدمج، وهو ما نطلق عليه ب( زاوية الاتكاء )

"غلغل أصابعك في شعري

فالجمر إن لم نحركه

يخنقه الرماد

والنار تفقد ذاكرتها

وأبجدية الاشتعال"

   إنها دعوة للعودة إلى فهم آلية الدخول إلى نصّ مدمج ، عبر تحريك الأصابع على مساحات البرمجة التي تختفي وراءها المعلومة ، أو لنقل الصورة الشعرية ، وهي كما نرى حالة جامعة تستوعب اللغة ، كما تستوعب محمولاتها  وتستوعب أخيلتها.

 

" أنا لا أصف المرأة

لكن أتخيّلها " 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x