إيهاب الشلبي
ديوان " قبل حين من الورد " :
تتمدّد
رؤية الشاعر إيهاب الشلبي، بين طاقتين فضائيتين،تسحبان خيوط اللغة من شبكة
المترادفات التي تخصّ الإيقاع الشعري ، والصور الحيّة الملامسة لفعل حيوات لكائن ،
بعيداً عن إرباكات الواقع ومشهديته .
وتعمل شعرية الفضاء في لغة الشلبي على تعميق
المستوى الدلالي في مادة القول الشعري ، عبر توسيع البؤر الارتكازية الخاصة بتبدّل
اللغة في مستوياتها الدلالية ، من المستوى الفضائي إلى المستوى المموّه الذي يشحن
الطاقة التعبيرية بما وراء الذات ، في عالمها التخييلي .
إنّ العمق المركزي للمنتج الشعري الذي يحاول
الشلبي أن يقرأه ، يتصل بإيقاعية الزمن من حيث اتكائه على وفرة المعطى البلاغي
الذي يحيط بالخطاب المعرفي ، فهو هذا الاتصال غير المحسوس يترصّد في صحوته كلّ ما
يمكن له أن يولّد علائق ومسميات تشي بالظلّ اللوني الشمسي لمفردة الكلام وحرارتها
.
لهذا يسعى إلى توريط المعنى بفضائه المحمول
على مصاهرة الشعر وانتمائه لعائلة الصفة التي تأخذ حيزاً ملموساً في المنحى
التصويري ، هذا المنحى الذي يتبع حالة الموصوف ، إن مصاهرة ما هو طازج وكائن في
خمولة الأشياء ، يعدّ في تجربة الشلبي مناخاً جاذباً لأكثر المناطق احتفاء
بالتخييل الذاتي الذي يلجأ إليه من أجل ممارسة المحو الذي يثبته في نهاية المقطع
الشعري .
" وأقبض على جمر
القصيدة
_ منذ امرىء القبس
حتاي _
بين يدي
فردّي لصلصال وجهي
ملامحه
كي ألامس حيرتنا في
المرايا "
ويفيد هذا العمق الفضائي ما يمكن للشعر أن
يقتنصه ، بعيداً عن ملامح الذات التي تستطرد في بناء العتبات الأولى للنصّ الشعري
، فهي وإن كانت تحتفي بمدلولها اللحظي ، إلا أنها وفق ما يتراءى من مجرّات أثيرية
تحيط بفضائها المسكوت عنه ، منذ البذرة الأولى للشعرية التي تنمو حسب عتبات
مفرداتها ، الجذر ، الساق ، الأوراق .
" يا صدى
لو قليلاً تعيد لنا
صوتنا
من حطام الضجيج
دويّاً
سأهتف مسترسلاً
بالنشيد
لتعشوشب الأرض مثلي
ويخضرّ زندُ "
ويبقى الفضاء يتناغم مع كلّ ما يمكن للشعر أن
يقوده باتجاه مفاعلة الصوت اللغوي ، بإدراكه المتفوّق على الذات لتكون واقعة ضمن نطاق الطاقة الشعرية الفضائية ،
لتقارب في مشهديتها زمنين مختلفين ومتفاوتين في الانحراف المكاني .
" أنا يا أبي
لم أمت فجأة كالسنونو
ولا كالمطر
لم أمت قبل هذا النهار
ولا بعده
خبروني كما خبّروك
تلاميذ صفي قالوا :
إلى أن يعود
ستبقى على مقعدي
صورتي "
فالطاقة الفضائية الأولى تتمثل في سحب اللغة
من واقعها الترادفي ، المترادف الشعري الذي تسعى إليه الصياغة ، وضميرها المستتر ،
وهي فائض زمني مجهول ، والطاقة الفضائية الثانية تتمثل في محاورة المتخيل ، ومركزه
الإعلامي ، وهو فائض زمني معلوم ، ولكي يتم حصر مصاهرة الشعر مع الواقع ونموه في
عائلة الصفة تأتي القفلة الشعرية الناطقة دالة على الفضاء المناخي .
" لكم كوّة من
حياة
ولي دون قبري فضائي
"
إنّ حمولة هذا الفضاء الشعري ، هو نتاج قوة
بنائية تتمرد كثيراً على المحمول اللغوي السردي ، وهذا ما تحتاجه شعرية الفضاء ،
لاعتمادها على قفلة المقاطع الشعرية ، لهذا تسعى وعن وعي إدراكي بنائي إلى جلب
مستلزمات النصّ المفتوح رغم ما يكتنف هذا النصّ من إطالة في بعض الجمل التكوينية ،
ولكنه مع هذا يدرك أهمية النوتة الشعرية الصافية للمصاهرة بين شعرية الفضاء والنصّ
المفتوح .
" خلف الستار ، غفا
وما كان اصطفى
إلا خليلاً واحداً
وكفى "
ديوان " قبل حين من الورد " نتاج
قراءة المواصفة الإيقاعية في بعدها اللساني ، وهي تستمد قوتها من الجرس الدلالي
للمفردة التي يصطحبها الشلبي في ولوج عالم التخييل الفضائي، عبر تبادلية متحرّكة
بين فضائين ، فضاء الشعرية وفضاء الواقع ، لجهة اتصاله بالحركة واعتماده على الذات
المتغيّرة ، كحاضن تنويري يسعى وراء شطر المعنى إلى عالمين متماثلين في الشعر،ومختلفين
في الحقيقة عالم موصول بالواقع لاعتماده
على الشواهد والمشهدية ، وآخر متصل بالإدراك المتفوق لهذه الشواهد.
0 Comments: