نمنمات الارتقاء باللغة في ديوان يجيئون يمضون وتظلّ الحياة

 


  يدلف الشاعر عبد الله  رضوان  في ديوانه " يجيئون يمضون

وتظلّ الحياة"(1)، إلى  البئر الأولى،  لتصعد أسرار الكائن من شفتيه

إيقاعاً تسنده الرؤيا  الواضحة،  لكل  خفاءات  الشعر، الشعر المشتق

من شفافية الضمير المستتر في اللغة. لغة الحيوات الضائعة

 

       وتحاول قصائد  الديوان إحالة الفضاء، إلى جمر الحقيقة، في

نمنمات تقترب من  الشحنات السريعة  لعملية الارتقاء  باللغة، التي

تستفز الزلازل والبراكين في جينات يمغنطها الداخل المسكوت عنه

عبر إعادة الإيقاع الداخلي إلى بؤرته الأولى، والتجليات التي

تعصف بالممكنات.

 

" ألستُ أنا الكلّ والكلّ وحدي

فماذا ستجترح الأرض بعدي

أتطلع شمسٌ على بشرٍ لم يرووا صورتي

ويرقص غيمٌ على أفق لا أراه"(2)    

 

     وتتجه القصائد إلى تسريع حركة التاريخ، لتملأ أسطورة الفراغ 

الناتج عن تلاوة المسميات،  في  لحظة  لا زمان لها أو مكان، وهي

تعيد إنتاج الممكنات من جديد بعد أن تكشف لها أبجديتها.

 

"هل يكون عدوّي صديق

وماذا أقول ل "غيث"(3) إذا ما تساءل يوماً

أبي

أين"محسير"(4)

لماذا تضيع فلسطين(5)

 

      وتنتقل شعرية التوقع في محطاتها باتجاه تكوين حالة شمولية

للأسئلة  المعلقة،  بعيدا  عن الجذر التكعيبي للأجوبة، معتمدة على

الحركات التوفيقية التي تؤديها آلية التكثيف.

 

" لا يا بنيّ

فما زال في القلب

قدرته للحياة"(6)

 

   وتحتلّ الأسئلة إيقاعاً متغيراً لجهة اتصاله بالمنحوت الصوفي

حيث  تبرز  أهمية  الانتقال  باللغة، من  ميدانها الضيق إلى ميدانها

الفضائي

 

" ماذا ترى في الغيم

_ قططاً مشاغبة

وغزلاناً... نساء

ماذا ترى في الغيم

_ حقلاً من ذرة

وأجنة، ومقاتلين

صهيل خيلٍ، عاشقين

_ ماذا ترى في الغيم

_ غيماً آخرَ

_ دعني أرى

أنا لا أرى إلا خرائط للوطن

أنا لا أرى إلا الوطن(7)

    وتؤثث الأسئلة المعلقة عالم النص الشعري، بما يحتاجه من

مؤثرات  إيقاعية  داخلية وصور مكثفة، تحيل النص إلى لوحة

قزحية، فيها الكثير من الثلج والماء والبرد.

"انهض

لا وقت للموت البسيط

يتقاتلون عليّ ثم تنام

انهض في اشتباك الأسئلة"(8)

 

    وتتقاطع نمنمات اللغة مع جملة التكوين الأول لخابية الروح

المليئة  بأنهار  العسل،  وهي  تنهل من مفردات الحب والمقاومة

والتصدي قدرتها على قول ما لا ينقال، والوخز بإبر النهوض من

رماد الغواية  إلى  جمر الوضوح، وسيولة المعطى الشعري، تلك

السيولة التي تجري في مجرى الكلام، بلا تكلف، خافضة أوراقها

أمام جبروت المعنى وممتلكاته.

 

" لليلى أن تغادر هذا المساء

ولها أن تسرق الفجر

لها أن تحضن البحر

وأن تبني زماناً في الغناء

وحبيباً في الخفاء

إن ليلى فرحة الأيام

عاصفة الفلسطيني

ثورته

وبسمته

وإكليل الكلام"(9)

 

    ويتابع رضوان خيوط المسيرة المشتهاة، من أجل وضع النقط

على الحروف، بعد أن أصبحت شجرة الحياة  لا حارس لها، لهذا

يأتي  الجواب  على شكل مثلث يتمثل فيه  الشاعر أنثوية الداخل،

والخارج، والمحيط، في مسالك الاحتراق والأمل.

 

" أنا الماضي

أنا المستقبل الآتي

أنا الحاضر

أنا الشاعر"(10)

 

   وتبقى القصيدة منتجعاً للتأمّل، حيث  تقترب من لغة التماس

بين ما هو شبيه وما هو غائب،  لغايات  الاقتراب من دائرة الذات

الوسطية،  بعد  أن  قامت بتركيز حلقات الوصل، للكشف عن

المساحات الأخرى في النصّ.

 

    ________________________________

   1_ يجيئون يمضون وتظل الحياة ط1 دار الينابيع للنشر والتوزيع

عمان 1995

   2_ يجيئون يمضون وتظل الحياة ص23

   3_ غيث : ابن الشاعر

   4_ محسير : بيت محسير موطن الشاعر حتى عام 1948

  وتقع غرب القدس الفلسطينية

   5_ يجيئون يمضون وتظل الحياة ص32

   6_ المصدر السابق ص33

   7_ نفس المصدر ص40

   8_ نفس المصدر ص60

   9_ نفس المصدر ص64+65

   10_ نفس المصدر ص118

 

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x