شعرية القص في ديوان - صاعدًا باتجاهي لعلي أراك

  

عماد أبو سالم

ديوان " صاعداً باتجاهي

  لعلّي أراك "


   إنّ علامة القصّ في الشعرية المتحركة تعتبر إيقاعاً ذا مناخات متعددة لا تتحيّز للانزياحات المتعددة ، بل تأخذها إلى آفاق رحبة من الوضوح ألانزياحي ، الذي يتأسس على الرؤى الثابتة لفعالية العين والتقاطاتها ، وكذلك تفعل بالكلام المسبوق ، من حيث دلالته الأولى .

  إنّ مثل هذا التكتيك الشعري يأخذ بكافة الانزياحات ، على أساس أنها تشكل كتلة متماسكة ومتجانسة ، بعيداً عن دورانه في المتغيّر اللغوي الذي يتحيز للصور أكثر من تحيّزه للمنطق البنائي .

  من خلال هذه الرؤية نستطيع أن نتلمس خيوطها العريضة في ديوان " صاعداً باتجاهي ، لعلّي أراك " للشاعر عماد أبو سالم

  تبدأ عملية القصّ في ديوان أبي سالم  من دائرة مفتوحة على تعدد الاحتمالات ،من حيث أنها تشكل خطاً موازياً للعملية الشعرية، إذ أنه يلجأ منذ اللحظة الأولى لحشد أكبر عدد من المتغيرات في الحقل التصويري ، ليدخل المساحة الشعرية متسلحاً بعمومية المفردات التي يستصلحها لبناء عالم متخيل مواز في لغته للعالم المشهود

" كل شيء مؤقت

عمري المقنن في دفتر الغيب

شمسي المصابة بالاحتراق

وفاكهة دشّنت هجرتي

واحتفت بانشطاري

وقضمي رويداً رويداً

بضرس العصاب الغليظ النتوء "

  هذا البناء اللفظي للمفردات، تسوقه عملية القصّ من أجل الدخول إلى حالة مفترضة، تقدمها رؤية الشاعر والتي تحاول أن تجعل من المدخلات الحسيّة عالماً ، يستطيع من خلاله النفاذ إلى المعنى بكل بساطة ودون تعقيد

" كلما طردتني بلادي

وأعددت روحي للسفر

أعادتني خطى امرأتي إليها

لأموت من حبين

حبيبي

والوطن الراقد في عينيه المشمستين "

   ومن ثيمات القصّ الشعري أنه يعيش المراحل المتعددة ، لغايات الوصول إلى فضاء استقرائي، يقوم على تأثيث النفس بما يليق بها من تجانس معنوي ومادي ، كما وأنه يقود طاقة المفردات إلى حيث تستوعب هذه المراحل ، على الرغم منم الاختلاف المكاني والزماني

" المرأة كلّ النساء

وكلّ النساء امرأة

النساء مفرد أنثى

والحبيبة ( جمع ) إناث "

  إنّ هذه الطاقة التعبيرية في محاورة المفردة ، ومحاولة إبراز ملامحها عبر وسائل الاتصال بالذات ، هي محاولة لسرد الكليات عبر تقنية القصّ الشعري الذي يجعل من المفردة عالماً قابلاً للتمازج بين الرؤية ومهادها التصويري وهذا ما يجعلنا واثقين من أنّ هذه البنية القصيّة تعتمد على المفردة بشكلها الأول ، دون الحاجة إلى انزياحها عن مرتكز المعنى ودلالته

" كانا جسداً واحداً

قسّمه الله إلى نصفين

كي يرجعا جسداً كاملاً

لحظة الانعتاق "

 ونحن نرى مثل هذا القطع السينمائي ، نؤكد على حضور التجسيد الذي يسعى إليه القصّ ، حتى تكون خاتمة النصّ الشعري مفتوحة على التفاصيل التي ألحقت بالبناء العضوي

" المدينة ضيقة

وقلبي واسع

المدينة مفروشة بالصبايا

وقلبي شوارع مفتوحة

حين تمشي النساء عليها

ي ف تّ ت ن قلبي ! "

  وبعد دوران القصّ الشعري في مساحات الرؤى ، تتقدم العملية الشعرية باتجاه نقطة الدائرة الابتدائية ، حيث تختفي ذات الراوي الشعري وهي صاعدة باتجاه النفس الخفية ، النفس التي لا يرى تقلباتها سوى الشاعر نفسه ، وهو يقصّ على نفسه والآخرين جزئياتها

" سأحجز تذكرة

كي أسافر نحوي

وأصعد سلّم عمري

لعلّي بدون انتباه أصِلني

سأهرب من ضجتي

في الخفاء

وأسأل كلّ نساء العرافة عني "        

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x