مقدمة الكتاب / الشعرية المتحركة

 

    من خلال قراءاتي للتجربة الشعرية العربية ، التي تجاذبتها أطياف حركة التجديد ، ومن خلال بؤر التوتّر التي كانت تصاحب هذه الحركة ، وقفت أمام عدد من المحاور التي أحسبها تكشف عن الرؤى التي كانت تعتمل في كلّ مرحلة ، ولا أظنّ أن هذه المرحلة أو تلك كانت تخفي وراءها عوامل مكانية ، جغرافية ، بقدر ما كانت تؤسس هذه المراحل لفعالية شعرية لها قوة الماضي وحضور الحاضر ، وأستطيع أن أجمل هذه المحاور بثلاث نقاط رئيسية تتفرّع عنها جملة من المؤثرات التي تصاحب عادة كلّ فعل تجديدي وهي :

1_ محور الاشتغال على الذات كونها المحرّض الرئيس على حضور الحاضر

2_ محور الاشتغال على الموروث بصفته المتطوّرة والقابلة للحياة  الدّال على قوة الماضي

3_ محور التبادلية القائم على الانعكاسات من الذات إلى الموروث ومن الموروث إلى الذات

  أمّا المؤثرات التي تصاحب الفعل التجديدي فأجملها بثلاث نقاط أيضاً تتوازى مع المحاور الثلاثة ، وهي :

1_ مؤثر الواقع وما ينتج عنه من انفصال عن الماضي ، وهو ما يترتب على الذات أن تعمل عليه في سياق التجربة الأولى

2_ مؤثر المتخيّل والذي ينسحب على مجموعة الرؤى المتصلة بالتجربة كونها الفاعل الرئيس للتجديد والمحرّك له

3_ مؤثر التخييل الذي يضمّ في سياقه ، الواقع والمتخيّل ، وهي حالة متقدمة في التجربة .

   من هنا نجد أن الشاعر أمام كينونة اجتماعية وتراثية وذاتية يتوازى معها في مقابل الآخر ، حيث تبقى علامة إمكاناته محدودة إذا لم يحط بالمحاور والمؤثرات .

   إن الفروقات التي نلحظها في التجارب الشعرية كحركة دائرية تبدأ من النقطة وتعود إليها ، ما هي إلا فروقات تخصّ هذه المحاور والمؤثرات .

   كما أننا نلحظ من خلال الحركات التجديدية في الشعر العربي ، بأنها اختزلت في مجملها طبيعة المتغيّر ، ولكنها كانت تتفاوت في لمّ شمل المحاور والمؤثرات وفقاً لطبيعة الواقع الضاغط ، ووفقاً للتسميات التي لم تصل في بعدها الرؤيوي للقارىء المثقف ناهيك عن القارىء العادي .

   إن مادة الشعرية ، شعرية الأشكال ، تأخذ أبعادها من ديمومة الحركة ، وهي بذلك لا يستقرّ لها حال، وهذا ما يجعل النصّ مفتوحاً على جميع الأشكال ، أشكال البحث عن الذبذبات التي تطرد في البناء اللغوي ، من أجل القبض على أقصى درجات الشعرية في مختلف تجلياتها ، في إطار الواقع والمتخيل والتخييل عبر سياق الحواس التي تقوّم هذه التجليات وتعطيها حيوية الكائن وصورته.    

   عبر هذه التوصيفات ستكون قراءتنا لشعرية النصّ وفق هذه المتغيّرات ، متخذين من التجربة الشعرية في شمال الأردن نموذجاً  لقربنا من ميادينه .   

    يشتمل الكتاب على ثلاثة فصول ، يبحث الفصل الأول في التعريف بأنماط شعرية الأشكال وخزائنها عبر اتصالها بالذات وداخل الذات ، وما وراء الذات ،

   فيما خصصت الفصل الثاني، وهو فصل تطبيقي، لقراءة محاور الاشتغال على شعرية الأشكال، من خلال الدواوين المختارة

    أما الفصل الثالث فقد اخترت فيه قصيدة لكل شاعر موضع الدراسة، للدلالة على ما ذهبنا إليه في الفصلين السابقين، إلى جانب سيرة ذاتية لكلّ شاعر. 

    أما الخاتمة فقد وضعت فيها جملة من الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة.             

   إذا كان لهذا الكتاب من محرّك فاعلٍ، فهو ما دفعني إليه   الأصدقاء الكتاب، لاهتمامهم الكبير بما أكتب وما أسعى إليه، فلهم عظيم شكري وتقديري، وخالص محبتي. 

      والله من وراء القصد   المؤلف 2006                       

 

 

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x