باب الخماسين



على مَهلِكَ الآن
يفتحُ عمرُكَ باب الخماسين
أو ينهضُ الآنَ من شجرةٍ في العراء

على مَهلِكَ الآنَ
هل كان مُهلِك ريحكَ هذا الغناء؟
وهل كان مَفْرِق رأسكَ
شيئاً من الذكرياتِ التي جزّها الموتُ
في لحظةٍ
واختفى فجأةً
في مَهبِّ البكاء؟
وهل كنتَ تدري
بما كان في لحظة الصحوِ
حين ولدتَ صبياً تكهربهُ ناقةُ الأصفياء؟

على مَهلِكَ الآن
تعبرُ كلُّ الخماسينِ يوماً إلى نحرها
ثمَّ تكتبُ فوق الهواءِ
هنا يعبرُ الماءُ حقل الشتاء

على مَهلِكَ الآنَ
لا أرجوانٌ تقدّمَ في السّرِّ
أو أرجواناً جنى صاحبي العمرُ
حين تقدَّمَ في زيّهِ شاهداً
كيف عاش الفتى جوف هذا النداء
كان طيناً تشقِّقهُ الأغنياتُ العتيقةُ
والصمتُ والنحوُ
نحو الميادين منطلقاً
لا يسوس سوى كفّهِ في الفضاء
ومنطلقاً حين يمضي
وتمشي إليهِ الرجولةُ بالكبرياء

على مَهلِكَ الآنَ
إذ لا يرى غيرَ ما وردَ البئرَ من حارةٍ
 كلّفتْهُ كثيراً
أضاعتْ صباهُ على جُرفِ تفاحةٍ لا تضاء
وكلّفهُ الصمتُ دهراً من الشعرِ
عاش وحيداً على شرفةٍ من نشيج الحياء

على مَهلِكَ الآنَ
أمضي إلى لحظة الصفرِ
هل في العادياتِ الرثاء؟
إذنْ خُذْ كما شاء منفردٌ
في الغمامِ
ولا تدخلِ الآنَ، وادخل
وخُذْ سِفْرَ هذا الندى
خُذْ مشاع الطريقِ
نوافذَ للفاتحينَ
ولا تنفر الآنَ من مَهْلكِ القومِ
إلا كما الطينُ عند الفتى في المرايا
أشاعَ...، وشاءْ

على مَهلِكَ الآنَ
ما ثمَّ شيءٌ يُراوَغُ في حلكة الليلِ
إلا الذي كان عند أبي في البكاء
فَفُزْ بالندى
ثمَّ خلِّ الردى لوحةَ الاشتهاء 
كما الأرضُ تفتحُ أبوابها في المساء
وتغلقها في الضجيج المبكِّرِ
حدَّ التماسِ الرجوعِ إلى المهدِ
حدَّ التماسِ الصدى في عروق الدماء
وعُدْ مثل أنّكَ خِفْتَ عليَّ
وهرّبتني للسماء
على مَهلِكَ الآنَ
ما ثمَّ طفلٌ يرقرقُ أعتابهُ بالدعاء
ويشطحُ بالسِّرِّ حين يرى الأرجوانَ
على جانبيِّ الطريقِ ظلالاً من الأصفياء

على مَهلِكَ الآنَ
كلُّ الذين تغيّمَ فيهم دمي
يا دمي
الأصدقاء

وَهَيْتُ...،
وإذ يرحلُ العمرَ
أمشي إلى منزلي من دمار الجنونِ
وأفتحُ باباً إلى البحرِ
هذا الذي ما درى حجّتي
حين أوغلتُ بالرمزِ
والرمزُ كان رسولاً 
تُعمِّدهُ الكائناتُ بما قد يليقُ
وهَيْتُ...،
وإذ يفتحُ العمرُ باباً
لآخرِ يومٍ من العمرِ
يأوي إلى حصنهِ في الشتاتِ الصديقُ
وهَيْتُ...،
كما ينقضي الثوبُ في المعسراتِ
إذا الريحُ طوّق خصرَ نداها الطريقُ
وإذ بدّلَ العمرُ أحلامَهُ
والندى وردَهُ
والزمانُ تفيّأ غصن الدوالي
وعتّقَ بيتَ الكلامِ الغناءُ العتيقُ
أعودُ إلى البحر
من أجل أن أستردَّ الحياةَ التي
أصلها في السلالةِ ماء

وتمشي إليهِ الرجولةُ بالكبرياء
تُزقزقُ كلُّ الطيورِ على سورهِ
كان طفلاً غريب الملامحِ
يغشى المرايا
إذا الآخرونَ أقاموا سجالَ الحديثِ عن اللعبِ
حتى إذا قام يمشي إلى آخرِ الأرضِ
 بحثاً عن اللغةِ البكرِ
طاف على نفسهِ مرتينِ
وقال: أنا الشعرُ طوعَ يدي أيها البحرُ
 فامضِ إلى حيثُ شئتَ
انتبهْ للرياح التي أسكرتها
يدُ الأتقياء

على مَهلِكَ الآنَ
تخرجُ من كُمِّها الأرضُ
هذا احتفالٌ بهيُّ الجوارحِ
كان إذا نامَ أهلُ المخيمِ
يبقى على سور مقبرةٍ واقفاً
والحمامُ على قَدَمٍ يلمحُ الماءَ
جيشاً من الشهداء

على مَهلِكَ الآنَ
تخرجُ أيقونةٌ من نحاسِ العراء

على مَهلِكَ الآنَ
لا يسردُ العمرُ شعراً على لوحة الأرضِ
لكنّهُ في مضارب هذا العزاء
يقيمُ الوليمةَ للناسِ
والأوفياء
ويجهرُ بالذاكرة
وينقشُ نحو الصلاةِ على كفِّهِ ما يلي:
أنا أوّلُ الماءِ في اللغةِ البكرِ
أوّلُ من رقّمَ الحرفَ في سيلانِ القصيدةِ
أوّلُ من هذّبَ الوزنَ
ثمَّ أضافَ إلى الوزنِ نكهةَ أسرارهِ
وأوّلُ من ضخَّ للشمسِ فجرَ ضحى
يا قصيدةُ
حتى، وفي مبلغِ العمرِ
في مرجئاتِ الخماسين
ما زال شيخاً على الرَّكبِ
هذا بلاغي
فيا شعرُ بلِّغ عن الشيخِ
ما قد تخفّى على الشعراءْ

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x