قصيدة المواضع


أنا موضعُ الجملةِ البِكْرِ
موضعُ أيامِنا في الغداةِ
إذا انتصبَ العارفونَ أمام الإمام
وموضعُ سرِّ القتيلةِ في كلِّ عام
وموضعُ ما نَهَبَ العاشقونَ
من الأغنياتِ التي أعرقَ الحبُّ فيها
يدَ الانسجام

أنا موضعُ الأرجوانِ القتيلِ
على برِّ أحلامنا
فاغرقي يا عيونَ الفتى 
إنْ فتى الموتُ حقَّ التنزُّهِ
في برِّ وادي الحمام
وعِم يا ضحًى
وانظرِ الشمسَ تتبعُ مما يلي من فؤادي:
مناخاً لطيفاً يُوارى على غصنهِ
كلُّ هذا الغمام

أنا موضعُ الماءِ في البحرِ
أمرُ المرايا إذا انكسرتْ في المرايا
وعينُ الفتى في الزحام
وإيقاعُ سيّدةٍ رأتْ طفلها في أقاصي الخيام
فألّبتُها ضدَّ نفْسي
وألّبتُها ضدّ كأسي
وأغرقتُها بالسلام

أنا موضعُ الخمر في السُّكْرِ
موضعُ ليلي
إذا انحرفتْ عن طريقي مرايا الكلام
وموضعُ تفّاحةٍ
قشّرتْها يدُ الشام في الشام

أنا موضعُ السِّرِّ في الأنثيينِ
وموضعُ جسمِ الحلولِ 
إذا انتبذَ الوجدُ ركناً قصيّاً
هنا في عروق الغلام

أنا موضعُ الكائناتِ إذا فرَّ قلبي
إلى غصنِ قلبي وحيداً
وفرَّ إلى حلمهِ كي ينام


أنا موضعُ الشمسِ
في غيمةٍ طار منها الحمام
وموضعُ لوزِ الجَمالِ الذي أنّثتْهُ الرئام
وموضعُ قنديلِ داري لهذا الوئام
أنا موضعُ الكركدنِّ
انطلاقُ السيوف إلى قلبها في التراتيلِ
 أسعى إلى نحو ظلي
ليشرقَ وجهُ الحسام
وأسعى إلى النهرِ أغسلُ طيفي بكفّي
فصُّفِّي
إذن يا نُسورَ الظلام
لأعرف أنّي دخلتُ إلى الموتِ
من بابِ أرضٍ حَرام

حرامُ على الأرض أن لا أموتَ
كما كنت أهوى
حرامٌ على الأرضِ أنْ يتفتّح فيها السّقام
حرامٌ على الأرضِ أن لا يعشش فيها الحمام
حرامٌ على الأرضِ أن لا أكون الإمام
حرامٌ حرام
حرامٌ عليَّ أبيعُ الخطى للئام
حرامٌ أجلِّل بيتَ القصيدةِ بالانفصام
حرامٌ عليَّ  إماطة عيني
عن النبعِ هذا المُدام
حرامٌ
حرام
وموضعُ قلبي
إذا نام قلبي خيوط اللثام
إذن فاتبعيني إلى قبلةٍ مثلَ ماء الغيومِ
أنا موضعي
موضعٌ نام فيهِ الصّدى
فأرفقتُ بالعالمينَ 
ولكنّهمْ لَمْ يميلوا إلى البيتِ
بعد انقضاء السفرجلِ
في عامهِ مرتينْ
وأرفقتُ بالبحرِ...،
كان على الموجِ أن ينتمي للرياحِ قليلاً
وأن يعلنَ المدَّ في لحظتينْ
لأنسجَ أيامهُ باليدينْ
وكان على الماءِ أن يعشقَ العشبَ
حتى إذا ما نبا خبرٌ عن قتيلٍ هنا
وقتيلٍ هناك
أقام لنا حفلةً من غيومِ الندامى
وهدهدَ عينَ الملاك
وكان على البحر أن يكشطَ الأرضَ من قرنها
أن يعيدَ الندى للحياةِ
وأن يستردّ الخطى
من رحيلٍ توجستِ الريحُ منهُ
ونامت يداك

وكان على موضع البحر
أن يستحمَّ تباعاً بيومينِ 
كان على الأرضَ أن تفتح البابَ
حتى إذا عبر النايُ سِفْرَ الذين تنادوْا
هنا مصبحينَ
ومرّوا أمام القصيدة يوماً 
وسطّرَ قلبي على ركبة الريحِ معنى اللجينْ
أتاح لهم موضعي بعضَ آياتهِ
مثلما طاردَ الليلَ في موضع الموتِ
واختار في الموتِ سهم الملام

أنا كلُّ هذي المواضعِ
في موضعٍ واحدٍ
لا ينام


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x