خارج هذه الأكوان

 

 1-ماذا لو

 

ماذا لو أعطشني الدهرُ

وشيطنني العربانْ؟!

هل كنتُ أصدِّقُ أنَّ  الأرض ستنساني

 وبأنَّ الأشجار ستعزفُ عن قلقي

حين أعيشُ وحيداً

خارج

هذي

الأكوانْ!

 

2-كلما سنحتْ

 

 

كلما سنحتْ فرصةٌ

أنْ أشيِّعَ نفسي إلى كأسها

في المساءِ

وأُنذرَها أنْ تصوم عن المُهلِكاتْ

زدتُ عزفاً على عُودِ كأسي

وقيّدتُهُ بالقليلِ

مِنَ الأغنياتْ

غير أنّي نزحتُ على شرفةٍ

في الطريقِ ضُحًى

واستعدتُ مِنَ الذكرياتْ

رؤىً لَمْ تعُدْ مِنْ شقاءِ العُروبةِ

غيرَ أنَّ الذي فات

ماتْ!

 

3- ما ضرَّني

 

 

ما ضرَّني أني ولدتُ جريحا  

طفلاً حصيفاً في الحياةِ

فصيحا 

ما ضرَّني

والسَّيْلُ في محرابهِ يجري

ليحملَ بالدعاءِ مسيحا 

 

هل ضرَّني أنّي اتّكأتُ على فمي   

ونفختُ

في

قصَبِ

الكتابةِ

روحا                

 

4-ساعتان

 

 

ساعتانِ

وخيطُ دخانِ

بذلوا حُجَّتينِ

لينسلَّ قلبي إلى حُجراتي

 

ساعتانِ من القهقاتِ البليدةِ

بين الطيورِ التي فقأتْ عين حبلِ الغسيلِ

وبينَ المكاتيبِ

أُكثِرُ منِ غلظتي

بينَ نهر الغيومِ

وبين دواتي!

 

ساعتانِ مِنَ الزمنِ المستحيلِ

على ساعدينِ

أشفَّ هروباً

وأعتق مِنْ قهوةٍ في ضياع السبيلِ

إذا غرغرتها القلوبُ 

وميزانُها في ثباتي

 

طفلةٌ في المساء

تكرُّ على ثوبها

زورقاً  للبهاءِ

وفي سلّةِ الريحِ بعض قناديلَ

تسعى إلى حِجْرها

طفلةٌ

في

حياتي

 

 

5-مرضى، ودالية

 

 

مرضى 

وداليةٌ على سور الحديقةِ

تحرسُ العصفورَ مِنْ مرضٍ عضالٍ

ليس مِنْ ولدٍ

يحاولُ أنْ يضيفَ إلى الحديقةِ

بهجةَ الأشعارِ

لكنْ في دقيقِ الرّملِ

حين تثورُ زوبعةٌ

وتسحبُ أوّلَ الزوّارِ

ينتبهُ النهارْ!

 

مرضى هنا

والليلُ حلْمُ النّاسِ

إذ يأتونَ بعد العصرِ

كي يبقى الممرِّضُ واقفاً

متفرِّداً في جبَّةِ المصلِ الأخيرِ

يقولُ للرّجلِ العجوزِ

أصبتَ ذاكرةَ الفحولةِ

في عُرى الأيامِ

فاهدأْ

يا

غبارْ!

 

 

6-ذاقوا حليبك

 

 

ذاقوا حليبَكَ، فاحتاجوا إلى المعنى

لم يغرفوا

فرؤى أثدائهِ مَعَنا              

خَفّوا

فأُمْلِحَ صدرُ البيتِ، ما وجدوا

غيرَ العطاشِ، وعجزاً في الهوى

سُجنا                  

فاسودّتِ الصّورُ البيضاءُ

دهشتُهمْ هذا الحليبُ سحاباً

صار لي

وأنا ؟!

لَمْ أُرْجِ للناسِ شيئاً في أجنَّتِهمْ

حتى كسرتُ على تطوافِهمْ وَثَنا

 

7-يا عين، يا بكّاءة

 

 

يا عينُ

يا بكّاءةً وخزامى   

منْ زارَ جفنَكِ ليلُهُ يترامى!

كنتِ الأسيلَ مِنَ البراعمِ مقلةً   

وعلى خدودكِ بذرةٌ تتنامى

وبنهر حزنكِ

ما

تعمّدَ

شاعرٌ   

إلا تلقّى وحيَهُ أعواما

ألقيتِ بي في النهرِ

قلتُ، وما أنا ممنْ تجاهلَ

نهرَهُ، وتعامى!

 

8-حدثٌ طاعنٌ

 

 

حدثٌ طاعنٌ

وسماءٌ على وقعِ أقدامنا

تنهرُ الجِنَّ

والنائمينَ على رَفْرَفٍ

من

ذنوبْ

 

حدثٌ طارئٌ

في السماءِ القريبةِ

من شوكةِ القلبِ

هذا

مساءٌ

غريبْ!

 

9-كُلَّما شاء  أن أنسى

 

 

كُلَّما شاءَ أنْ أنسى

شاءَ نِسياني، فأبقاني قريبا

 

كُلَّما حاولتُ أنْ أشدو  مَعَ المعنى

تهدَّلَ، واستوى في الحالِ عُوداً بَيِّنَاً

ومضى غريبا

 

كُلَّما ناهَزْتُ عُمْراً

فَرَّ مِنْ مِرآتهِ شَجَرٌ سَخيُّ الإنحناءِ

وخالَني غُصْناً رَطيبا

 

كُلَّما دَغْدَغْتُ إيقاعاً

وفيرَ الضُّوءِ، أبهجَني

وأرسلَني إلى عينٍ مِنَ الكلماتِ

هذا الوحيُ أَقلقني

فقلتُ أشاكِسُ الأوزانَ

كي تخلو بِمُفْرَدِها، وتَنساني

لأنشرَها بهذا الوحي

لا نكرانَ أَقْصُدُهُ

ولا حِجَجٌ تَسُوقُ النَّصَّ مِنْ إبْطَيهِ

لكنَّ اختلاطَ المِسكِ بالنَّصِّ الذي يُوْحى

يزيدُ غوايتي

وَتَرَاً مِنَ المعنى

وَطيبا

 

 

10-أيُّ شيء

 

 

أيُّ شيءٍ

إذا ما استراح الفؤادُ

تخيّلَ أني إلى الموتِ أقربْ

 

أعيدُ الحساباتِ

شهراً

فشهراً

وأحمل بعض الثواني

إلى حوضِ ماءٍ شفيفٍ

وأشجارُ هذي الجهاتِ 

بدتْ لي

على سفح تلِّ قريبٍ

كثعلبْ!

كذلك

قلتُ لأهلي الذين استداروا

إلى الغيبِ: ها أنذا سوف أُعلي

القصيدةَ في العالمينَ

وألعبْ

 

لتكثرَ هذي المرايا

هنا بيتنا

والسماءُ التي كان لي

أنْ أراها مُزركَشَةً في خيالي

وبابُ الكهولةِ صخرٌ قديمٌ

أزحزحهُ باتجاه الأعالي

لأظهرَ أكثر

مِنْ أيّ وقتٍ مضى

شاعراً  قد يعيدُ الحساباتِ

دهراً 

فدهرا

فأيُّ الكواشينَ في علبةٍ

منذ ليل الهزيمةِ

كانت إذا ما استبدَّ الحديثُ

عن الأرض يوماً

تراعي الغواياتِ

والموتُ أقربْ!

 

 

 

11-لغة النهار

 

 

ولستُ أرحلُ

إلا أنَّ لي لغةً  يصوغُ منها الندى

قلباً

ومُعتقدا

فيها يزورُ الفتى قدّيسَها، ولهُ

إذا أعادَ لها الإيقاعَ مُلتحدا

أنْ ينحني لحمامٍ في تجاورهِ 

أو ينثني مثل هذا الغصنِ منفردا

 

سوّيتُها مِنْ رفيفِ الوجدِ، فانسكبتْ

روحاً

وأعلَتْ حضورَ الشوقِ

مُبتردا 

صَبّارتانِ على كأسي

ومعجزةٌ  

وعينُ أنثى رأتْ في حلمها حسدا

أخَّرتُ فتنتها عن لفتةٍ، فإذا

قرأتَ أوّلَها

فاعزفْ لها مددا

 

ما كنتُ أنبشُ في معنايَ لي سندا

ولا أُخالفُ عن معنايَ لي سندا

ولا أهُشُّ إذا ما أفْرَدَتْ ليدي 

لغةُ النهارِ على أكتافِها جسدا

فالحُبُّ من قَصَبِ النيرانِ خلوتُهُ 

 تُشجي الغناءَ

ولَمْ أُخبرْ بهِ أحدا

  

 

12-لو قُدِّر لي

 

 

لو قُدِّرَ لي

أنْ أحمِلَ أحلامَ الشارعِ

لاخترتُ ملاذاً آمنَ

أسرحُ فيهِ معَ اللاشيء

وأنهرُ أيامَ السُّوءْ!

 

لو قُدِّرَ لي ذلكَ 

لانفتحتْ أبوابُ سماواتٍ أخرى

غير حديقتنا العطشى للضوءْ!

لكنّي إذْ أعلَقُ كالقشِّ

على جدرانِ الرَّغبةِ

أمضغُ أحلامي بعد اليقظةِ

أو أمشي بعضَ الوقتِ

على جسر العودةِ

حيث هنا

وهنالكَ تُقرعُ أجراسُ العودةِ!!

لو قُدّرَ لي

لكنَّ العالَمَ موبوءْ!

   

 

13-أصدقاء

 

 

يجلسون على الكراسي

ثم ينخرطون بالضحك اللذيذِ

إذا تخيّل واحدٌ منهم رمادَ الليلِ

ينطلقونَ في برية الأسماء

ثمَّ يغازلونَ الطير، عٌلِّمنا، وينتفضونَ

حين يطلُّ وجهُ الريح مِنْ باب الحديقةِ

عابسَ المعنى

ويختبئونَ في عُلَبٍ مِنَ الأسمنتِ

لكن الزجاجةَ مِنْ نبيذْ

 

هم هكذا

في كل زاويةٍ يرشون الغوايةَ، ثم ينتشرونَ

قبل الفجرِ

أو يمضونَ بالمعنى إلى الرؤيا

ويقتطعونَ كمثرى أمام الناسِ

ينتشرون بعد الفجرِ

لا كرسيّ في الحاراتِ

لا طيرٌ تعلّق بالحكايةِ، لا

ولا عِجلٌ حَنيذْ!

 

 

14-شُغلتُ بالريح

 

 

شُغلتُ بالريح

أمْ للريح قافيتي        

أمْ أَسْرَجَ الليلُ بالآلام ذاكرتي

أمْ أُغلِقتْ في براري الأرض معجزةٌ    

حتّى تهادتْ على كأسي وآنيتي

كُلُّ الرّياحينِ

يُمسي في زيارتها رأسي

ويفترُ عن ترياقِ أسئلتي

 

نهجانِ مِنْ عِللٍ

صارا إذا انفتحتْ رؤيا الجهاتِ

مداراً

حول أشرعتي                 

شغلتُ بالريح

نهجُ الريحِ أدعيةٌ

صاغتْ ليَ الأرضَ مِنْ زنار أوردتي

فيها السيولُ إذا في الليلِ عمّدنا

هذا اللقاءُ

وأضحى نورَ أدعيتي

محمولةٌ معَهُ الأوجاعُ

كيف يرى في لُعبةِ الصمتِ

آثاماً لمائدتي

 

عشنا لها

ونشيدي لَمْ يكنْ بلداً     

صدَّ الجموحَ عن المخيالِ في رئتي

عشنا

ولَمْ تجدِ الأحوالُ لي لغةً    

إلا التي كُسِرتْ في ليلِ أمنيتي

 

 

15-ألبستهم ثوب الرحيل

 

 

ألبَسْتُهمْ

ثوبَ الرحيلِ، فحوقلوا      

حتّى تناسلَ مِنْ يديَّ الجدولُ

مرّوا على شِيَعِ الهوى

ولطالما مرّوا

ولَمْ أجدِ الذي قد بدَّلوا

 

ألبستهمْ

والموجُ مشهودٌ لهُ           

أنَّ البحار مِنَ القصيدةِ  تنسلُ

لكنّهم فزعوا

وعن جُددِ المدى بيضٌ

يُغازلُها ضريرٌ  أشْهَلُ

راودتُ عن صمتِ القصائدِ حكمةً    

يا هَيْتَ لي هذا الذي أتأمّلُ

 

مأمولةٌ روحي

وفي نصِّ الرضا

عينانِ

تبتهلانِ

جِرْسٌ صَلْصَلُ

 

هو ذا مقامي

كان أعلى ربوةٍ              

فيها السماءُ على الحقيقةِ منزلُ

 

وطّنْتُ أشعاري على أفراسِها          

ولبِستُ ثوب رحيلهم كي يعقلوا 

 

مالوا إلى لغتي

فأثقلَ وعيَهمْ

نبضٌ لهُ في الجسمِ

برقٌ يُصهلُ

فنذرتُهمْ للشمسِ مع رأد الضحى                

هذا يميلُ

وآخرٌ يتململُ

 

مكفولةٌ عيني

وكافِلُ أمرِها شِعْرٌ

تنازَعَهُ الحنينُ الأوّلُ!

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x