تقديم / قراءة انطباعية في الأنساق الدلالية




بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم
   القراءة الشعرية تعتمد على منهجٍ يقرره المتلقي وفق ما يتماس معه من هواجس لغوية ترشده إلى تلك الظلال الخفيّة " المساحة الخفية " في القول الشعري، حتى تتم عملية التوازن بين ما هو داخل وما هو خارج.
   في قراءة الشعر العربي، ثمة ما يقودنا دائماً للتمسك بما وراء الفكرة، فنحن نظفر بكثير من اللذة حينما نمسك بالنسق الدلالي الذي يتقنّع خلف النصّ الشعري، إلا أننا كثيراً ما نفقد البنية التواصلية بين ما هو لفظي وما هو دلالي، لذا كثيراً ما نصطدم بنصوص نظنها للوهلة الأولى نصوصاً خارجة عن مدلولها اللغوي، رغم ما ينتظم فيها من انسجام تقني، فنحن أمام حالتين من الاتصال، حالة شفاهية تعيدنا إلى أصل الشعر، وحالة كتابية تقودنا إلى إعمال الذاكرة في المستجدات التي طرأت وتطرأ بشكل كبير على مسيرة الشعر العربي، وهما حالتان تضعان أمامنا نصّاً واحداً بغرفتين مختلفتين تماماً، غرفة لها شبابيكها وأبوابها " الحالة الشفوية "، وغرفة بلا شبابيك وأبواب، وفيها من دوائر الهندسة ما تخفي وراءها الكثير من الخطوط الأولى، أو النقط الأولى للبيكار الهندسي " الحالة الكتابية "، فكيف نفرق إذن بين حالتين لنصّ واحد دون الرجوع إلى أصل الذات الفاعلة والمسيطرة على الخارج الشعري، صلة التماس النهائي بين الشاعر والمتلقي.
   جاء اهتمامنا بالتبادل والتجاور الإشاري من منطلق أننا أمام هاتين الحالتين نحاول التماس مع النص الشعري، قوته، انشغالاته، ومحرّكاته اللفظية والدلالية، فإذا ما استطعنا الفرز بين الذوات في العملية القرائية، "الوقوف على التبادل فيما بينها/ الألفاظ"، عندها نستطيع تلمُّس "جذر البنية النصيّة التي يقوم عليها الداخل/ الدلالة " والوقوف على الدلالات الفرعية والهامشية التي يحدثها فعل التجاور بين ذوات الألفاظ"، وعليه يكون تقسيمنا للذات مدخلاً للبحث عن القيادة المركزية للنصّ الشعري، والذي يتناوب عليه كلٌّ من الداخل الشعري " النصّ الشفوي "، والخارج الشعري " النصّ الكتابي ".
   ولإمكانية القراءة الوافية لهذا التسلسل القرائي، فقد ارتأينا أن نقسّم الذات إلى:
1_ ذات باحثة
2_ ذات لاقطة
3_ ذات مستوعبة
4_ ذات مختزلة
5_ ذات منتجة
6_  ذات دافعة
7_ ذات متصلة
8_ ذات مراقبة
9_ ذات مشاركة
10_ ذات مطمئنة
   ولتوضيح مجمل هذه الذوات فإننا نقدّم التعريف الموجز لكل ذات، بناء على أثرها في البناء الشعري:
   الذات الباحثة: هي الذات التي لا تتصل بالعملية الشعرية، وهي الخازن لكلّ مفاتيحها الأولى، وهي تلك الذاكرة الحافظة لكلّ مقومات الفرد الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
   الذات اللاقطة: هي المفتاح الأول للذات الباحثة والتي تشير في حراكها إلى الأبواب المغلقة، وتساعدها استمرارية الكينونة الواقعة بين إطار الواقع الذاتي والواقع المجتمعي.
   الذات المستوعبة: وهي الذات الواصلة بين قطاع المعرفة وقطاع السلوك، وهي حالة متغيّرة، تتغيّر وفق معطيات المؤثرات.
   الذات المُخْتَزِلَة: وهي العنصر الأول للشكل والتشكّل، شكل المعرفة، وتشكل السلوك، وهي منفتحة على الدلالات الغيريّة، دلالات الفضاء والآخر المتصل بالذات اللاقطة.
   الذات المُنْتِجَة: وهي منزلة التفرد تجاه التفاعل الكيميائي للعناصر، وهي نواة التمحور حول ظاهرة عينيّة واحدة وإشباعها.
  الذات الدافعة: وهي الذات المنشغلة بدفع الأيقونات اللا شعريّة من وسطها التراكمي الغباري، وهي في معناها الدلالي الذات المكثِّفة.
   الذات المتَّصِلة: وهي حلقة الوصل بين الشعري واللاشعري، وهي محور التشكّل الدلالي المنضبطة في حدود الإيقاع.
   الذات المراقِبَة: وهي الذات المتَّصلة بالمتلقي، الناقلة للخطاب، وهي أسّ التمحور الدلالي.
   الذات المشارِكَة: وهي الذات الجمعية الموصولة بالذاكرة المعرفية، الباحثة عن الفكرة.
  الذات المطمئنّة: وهي مجال النصّ الشعري المعرفي، القابل للانعكاس والتمايز والتبدّل والتجاور، وهي حاضنة للذوات ومرشدها إلى التمحور القياسي اللغوي بشقّيه السردي والشعري.   
   وبالإمكان إعادة هذه الذوات، أو اختزالها في ذاتين، وفقاً لحدود معرفتنا بأبعاد النصّ الشعري الكتابي، ودلالاته، واتجاهاته، كما يلي:
1_ ذات داخِلَة: وتتشكّل من الذوات" الباحثة، اللاقطة، المستوعبة، المختزلة، والمنتجة"
2_ ذات خارجة: وتتشكل من الذوات" الدافعة، المتصلة، المراقبة، المشاركة، المطمئنة".
   وبعد: فإننا أمام هذه النصوص التي نحاول من خلالها تحديد آليات عمل الذات نقف متلمِّسين جملة المفاتيح التي يحملها النصّ الشعري، ووفقاً لها، نستطيع الكشف عن وجهة النصّ وتفرّعاته وفخاخه، فإذا ما احتوى النصّ الشعري بإيقاعاتهِ المختلفة " التبادل والتجاور الإشاري" قوة حضور الفكرة وجنوحها/ لفظياً، أو غيابها واستدراكها/ دلالياً، فإننا عندئذٍ بمقدورنا أن نتعامل مع أنساق الذات كمنجز ناضج يحملنا معهُ في سِفْرهِ إلى المراد الداخلي للحواس التي تتحفّز لالتقاط الجماليات التي يحتويها كشفاً أو مواربةً.
   النماذج التي قامت عليها الدراسة، أحسبها قادرة على إنتاج سلّةِ المعرفة التي تقف وراء الفكرة التي نسعى إلى فتح كوّة لها، وهي البحث عن شمس المعنى التي تلقي بأشعتها على حراك الذات في عمليتي التبادل والتجاور الإشاري، بدءاً من الذات الباحثة وحتى الذات المطمئنّة، ونحن لا نجزم بأننا استطعنا الكشف عن هذا الأنساق بكافة مستوياتها اللغوية والإيقاعية، وحسبنا أننا وجدنا ضالة المستوى القرائي، من خلال تحديد آلية عمل ذات النصّ وملحقاتها، خاصة بعد أن كثر الحديث في هذا العصر عن أزمة الشعر العربي.
                 والله من وراء القصد
المؤلف
                                          إربد في 1/10/2009م

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x