ذئب الخطيئة / عبد الله رضوان



تشخيص الذات

   لكلّ قصيدة حُمّى تصيب مفاصل الكائن المُتدثّر بعباءة الكلام، وهي حمّى زائرة أحياناً، وأحياناً حمّى مقيمة، بقدر ما تتشابك مع صلصال الكائن، وإذا كانت من مفرزات الحمّى السخونة والانحلال والتشاحن مع الذات، فإنها في الوجه الشعري الذي تقدّمه في زيارتها وإقامتها تعكس هذه المدخلات المادية، لتصبح شيئاً معنوياً غير محسوس، إلا بقدر ما تقوم عليه الدلالة، والحمّى في الكيان الشعري تتعدى مفاصل الكائن، لتتعمّق في ما بعد الحواس، وتشمل مسارات الذات، داخلية كانت أم خارجية، حاضرة كانت أم غائبة.
   وإذا كان قدر الكائن في حياته الدنيا ملامسة هذه الحمّى ولو من بعيد، وإذا ما اتفقنا على أن الكيان الشعري هو خرق لهذه الملامسة، وإرجاعها إلى الفيوض الأولى التي تنمو في ظلالها الحواس وهي في طريقها لتلمس الأشياء وترتيبها، فإن ملاءة الحمّى بهذا الاتجاه تشكل الفضاء البيني الذي يقوم بين النصّ وشاعره، والنصّ ومتلقيه، تماماً كما يتلمّس الطبيب حرارة مريضه، ومن خلالها يسعى إلى تشخيص الداء والدواء في العلاج ألسريري، فيما يذهب إلى الجراحة حال تمنّع المفاصل عن كشف جوانيتها، أو كشف ذلك المخبوء في قشرة النمو التي تتأتى له بعد جهد وعناء من المداومة واستقراء عناصر التشخيص.
   كان لا بدّ من هذه القراءة الموجزة لحمّى القصيدة، والتي سنسعى إلى تشخيصها واستقراء عناصرها في ديوان " ذئب الخطيئة " للشاعر عبد الله رضوان، ويضمّ "15" قصيدة، التقت جميعها في النسيج الداخلي للنصّ الواحد الذي تتجاور فيه الحمّى كمناخ تقوم عليه فعالية الرقيا، رغم تعدد مستويات القول " التشخيص " وارتهانه بالمستوى الجراحي للجمل الشعرية.
   إنّ الرقيا الشعرية التي تتجسّد في النصّ الداخلي للنصّ الشعري، هي النبع الدافق الذي يَرِدْ إليه الشاعر في لحظات التوتر الروحي، للانتقال بين مساحتين منغلقتين على مساحة متخيّلة، تبدو في القراءة الأولى للحمّى الشعرية مساحة وهمية من الصعب بمكان الإتيان بتشخيص دقيق لعوالمها، لذلك يبدأ التدفق الأوّل للحضور النفسي الذي يتجلى بالإرباك الشديد، بالقفز عن ذهنية المحيط " الواقع "، أو لنقل يبدأ من نقطة التحوّل الذهني إلى دائرة الشرود " الغيبوبة " التي تمدّه بمقومات التحدّي والصمود أمام هذه الهجمة الشرسة من العالم الغيبي السريري، أي إحداث احتكاك شعري في النصّ الداخلي للنصّ الشعري، واعتماده كمنجمٍ تتوافر لديه مجمل الكنوز التي يسعى الشاعر لضمّها لمملكته.
  تبدأ الحمّى الشعرية في ديوان " ذئب الخطيئة " من هذا المزج المربك لمفاصل الكائن في لحظات الخلوة مع الذات، فالذئب وما يمثله من حالة شديدة التفرّس بمآل الذات، وهي تقف أمام هذا الوجه الكوني، فإنما يشير إلى وجهين متماثلين في ميكانيكية تشخيص الدلالة، كونها العنصر الحركي في مشهدية الانتقال بين مساحتين كم أسلفنا، مساحة الذئب وما يمثله من قوة ذات بطش، ومساحة الحمّى التي تدبّ في مفاصل الكائن، لحظة الرؤية، أو التسمية، وربما تحال الدلالة إلى المساحة المتخيلة، وهو ما يفرضه الواقع من عناصر وهمية، وهذا بالتأكيد ما تؤشّر عليه " الخطيئة " لنصل بالنتيجة إلى قراءة شعرية مفادها " وَهْم الخطئية، أو خطيئة الوهم"، أو خطيئة الالتباس بما هو مقروء في الواقع، ومختزن في الذاكرة.
  المفتاح الشعري المعوّل عليه في ديوان " ذئب الخطيئة" هو الحمّى الشعرية التي تبني كياناتها الحسية، والنفسية، والمادية، من تداخل الأزمنة، لتؤشّر فيما بينها على هذا الكمّ الهائل من تراكمات الذات ومدخلاتها ومخرجاتها منذ القصد الأول للتكوين، وحتى عودة الأثر إلى منتهاه، وما يترتب عليه من جمل قياسيّة تصلح لأن تكون أداة للتشخيص الشعري، ففي قصيدة الرقيا وهي تسمية أسبغها على قصيدة " رقق ضلوعي يا أبي " لما تحويه من مفردات وجمل قادرة على ممارسة فعل التهدئة لتوتر الأعصاب، أو كيانات شعرية قادرة على ضبط وملاحقة موسيقى الداخل، أو مساحات تتواثب فيها محركات الذات الصوفية في لحظات التجلي، في هذه القصيدة تتحرك الوشيجة الأولى لجعل كلّ ما ينطوي عليه الكلام الشعري، أثراً بالغ التسمية، بدءاً من " ضلوعي " وهي اللقطة الشعرية التي تَظهرُ فيها علامات الحمّى، ولا أقول المفردة، لكونها تمثل في المقام الأول حراكاً قادراً على النمو، وفي المقام الثاني شاهداً على تبدّل أحوال الكائن العينية، وانتهاءً ب " خضوعي " وما تمثله من ترتيب عياني لحراك الحمّى في النصّ الداخلي.
" رقق ضلوعي
واغفر ذنوبي كلّها
ماذا جنيتُ سوى...
.. رجوعي
عند أوّل شهقةٍ
أنا ما ارتويتُ
وما انتهيتُ
بل عدتُ أركضُ
في براري الروح
ها إني أنوح
على اكتمال فجيعتي
لا أنتِ أنتِ، ولا أبي
رقق ضلوعي"
  في المقطع السابق نلحظ جملة من المغريات التي تتناوب فيما بينها لجعل حالة التوتر النصّي، حالة مكشوفة، ولكنها انكشاف الساق على الساق، فهي رؤية ضمنية تتوسط مرايا الانفعال، وهي حالة متقدّمة على حالة الفعل، فاتساق الذنب مع المغفرة هو وجود سياقي في النصّ الشعري لاسترجاع ذاكرة الكائن القياسية التي من خلالها سيتقدّم النصّ الداخلي ليكون قائداً للنصّ الشعري، ومبتلياً به في لحظات البوح، وليس وجود اعترافي، لأنّ في الشعر ما هو مجاز على التخييل " النصّ الداخلي " وليس على الحقيقة، لهذا تتناوب الأفعال المقطوعة " جنيت، ارتويت، انتهيت"،لتشكّل واجهة تتقدّم من خلالها رؤيا النصّ الشعري المفتوح على التأويل
" شهوتي هي حيرتي
ماذا جنيتُ أبي سواك
فخذ يدي
واسند ظنوني
شكّي حقيقتيَ الوحيدةُ يا أبي
لا الموت يبهرني
وليس يخيفني إلا جنوني
من أين ؟
كيف ؟
لمن ؟
لماذا يا أبي ؟
هذا فتوني
رقق ضلوعي يا أبي
رقق ضلوعي "
  وفي قصيدة " أقواس تشهق على الشرفة " تبدو الحمّى أكثر انفتاحاً على تورية الخطيئة التي تسيطر على الذات، الخطيئة المربكة والمحببة في آن واحد، وربما نستطيع القول بأنها " الخطيئة الشعرية" التي تقترف كلّ ما هو مخالف للنمط السائد، من أنسجة تظهر على ملاءة الوقف الإنساني والشعري، تبدو هذه الحمّى أكثر انفتاحاً لتأصيل واقع الانتشار الجسدي الذي يدور في فلك الخطيئة وما جاورها
" شرفة من جسد
المكان جسد
والزمان جسد
والهواء
البكاء
النداء
جسد
تمركز في شرفةٍ
واستبد"
  وهذا ما يقابله في النصّ الداخلي من أوعية غير مرئية، لهذا يشتدّ الإيقاع البصري للكشف عن زاوية الرؤيا التي تحاول الحمّى الشعرية التقاطها من مرايا الاعتراف، فالنصّ الشعري يتأرجح بين قراءتين، قراءة واعية لحقيقة الجسد وما يتفاعل فيه من كيمياء الواقع، وقراءة شعرية لتفاعل الجسد مع الحمّى، وما يترتب على هذا التفاعل من معطيات جديدة يبدأ النصّ الشعري بتشخيصها
" شرفة من عذاب
تجلّت ببسمتها المربكةْ
وأنا
ناري تعربد في داخلي
تحرق الروح
ربي أجرني بحلمك
أهذا عذابي !
كلّ شيء هنا يرتوي
الحجارة
قوس الضياء
الطيور
الفضاء
سوايَ
فمن يطفئ النار
شرفة
شرفة من دمار "
 وتتجلى هذه القراءة الواعية لحقيقة الجسد المصاب بحمّى الشعرية في قصيدة " نداء المعدن.. نداء التراب" لتؤكّد على مغايرة النمط الواحد في العلاقة بين الذات المختزلة وذواتها المنتشرة في النصّ، حيث تقف الذات أمام حقيقة المسميات، وحقيقة انتباه الداخل لكلّ ما هو سريري قائم على التمايز، فالذات أمام هذه الحقائق تقف عاجزة عن تحديد المعطى الشعري، لأنها ممزوجة مع داخل ينتشي ويتألم، يفرح ويحزن، يعيش الواقع بكافة تفاصيله، ويراوغ الحلم، ولكنها في مجاورتها أو ملامستها للذوات تضع المساءلة في سلّة أخرى غير سلّة الجسد، وربما تكون سلّة الروح، أو سلة اقتناص الخيال
" لم يكن ألماً
لم تكن فرحةً
لم يكن حلماً
لم تكن
لم يكن أيّ شيء
هدوء يغلف صمت المكان
لا ارتياب سؤال
لا هدوء الحقيقةِ
لا ...
لا جنون خيال "
  ويتواصل النصّ الداخلي بطرد كافة المؤثرات التي تحسب على إيقاعية الخطيئة، لتنمو قوة حضور الفعالية الشعرية التي تستنطق المعطيات، وتتشابك مع الجنون الذي يتجاور في قصيدة " من حرف إلى حرف أحبك " مع مفردات الإقامة الجبرية التي يفرضها واقع الحال الذي يرزح تحت وطأة وجمالية الحمّى الشعرية التي تصيب كلّ شيء،" الكائن، النصّ،الحرف، وما صاحبه من موسيقى ذات ظلال متقطّعة وذات توجّسات عالية" وما يصيب اللغة وهي تنقل حمّى الداخل إلى المتلقي
" لك تكتب الأزهار سيرتها
وتنمو في طريقك
تحتفي
بحفاف ثوبك
تنتشي
بجنون لونٍ باسقٍ
ليشمّ عطرك
ينحني
بجوار صدرك
يزدهي
ببهائك العالي"
  أيّ قوة إذن سوف تقف أمام هذا الانبعاث الشعري، وهو موجّه إلى ذوات الذات، وأيّ ندم سوف يخطّ رحلته على جسد الإيقاع النفسي المبتلى بالخطيئة المحببة، الخطيئة الشعرية، وأيّ عناصر سوف تتخلّى عن كيمياء وجودها في محاولة لقراءة الوجه الآخر للنصّ الداخلي، النص الفيزيائي.
" نداء عناصرٍ
لغةٌ مغمغمة
بريق
فضة
عسل
وجنون عُمْرٍ
نهد نهدٍ ناهدٍ
وتواصل حلو
طريٌّ
سائلُ "
  هكذا تبدو الخطيئة الشعرية في ارتباطها مع الذوات، ساحرة، مرهفة، مرتبكة، خصبة، وعلى قدرٍ عال من الليونة، لتتم عملية التداخل الصوتي وفق ما تستأنس به اللحظة الصامتة، لحظة الانفصام عن التراب وعناصره، والالتحام مع الحمّى كذات قائدة وآسرة، ليبدأ النصّ الداخلي تحوّلاته وانفكاكه عن النصّ الشعري، مقابل التوصل إلى تأصيل الذات كمجموع شعري، كما هو الحال في قصيدة " هل قلتُ ذاتك، أم ترى حرّرتُ ذاتي " "ذاتك" هنا تشير إلى النصّ الشعري المحمول على اللغة وتندّراتها، و" ذاتي " تشير إلى النصّ الداخلي المحمول على ليونة المعنى وتأويلاته
" وتقول أنت أنا
ها نحن
بالفرح الشفيف
برقصة طائر " الوروار"
بالجسد المنوّر الأطراف
بالصفصاف
يحنو دافئاً ليخبئ العشاق في غاباته
بشذى الصنوبر، بالحنين
بوعول شهوتنا
بالقرمزيّ
يعتّق النوار خمر خدودها
فتنام في كلماتها كلماتي
هل قلت ذاتك
أم ترى حرّرتُ ذاتي"
  وتتكشف بعد هذا الانفصام والالتحام حالة السعي اللذيذ وراء تسويغ الحمّى التي أرهقت المحمول الخارجي للذات، حتى بدت منفعلة أمام الخطيئة، خطيئة الداخل، لذلك لا مفرّ أمام الشاعر من استدعاء الشهود، شهود الحال، ففي قصيدة " قط ألوف " والمتفرّعة إلى أبواب تتسق مع التصوّر الصوفي، يستقدم الشاعر مصدر الحمّى " حبيبي عدوّي"، ليبحث عن راحة أبدية للجسد في محاولة للبقاء مع المحمول الداخلي، ثمّ العودة إلى أثر الحامل الشعري ليكون موطناً لائقاً بالنصّين " الداخلي والخارجي
" تعال حبيبي عدوّي
وخذ ما تبقّى من الغيم
خذ نار قلبي
بهجة عمري
هجس الحقيقة
طير الكلام
وخذ جذوة الشكّ فيّ
ومسك الختام"
  وبعد هذا يبحث الشاعر عن أثر الحمّى التي أوصلته إلى الخطيئة، لتأخذ عدواها بالتقدّم إلى كلّ شيء، وهي رؤيا خارجة عن نطاق السيطرة الذهنية، لأنها لا تتوسّل العبور إلى المنعطفات، فهو في أشدّ لحظات الحمّى يكشف عن رؤيته للحقائق التي تتقافز أمامه، مما جعل القاعة في قصيدة " جنون القاعة "، تتشظى أمام هذا الواقع الدرامي الذي ينفتح على حقيقة الداخل بعد أن تبسط نصها الخارجي بلا حجب
" عيون تأكل القادمة
عيون تكاد تفرّ باتجاه الباب
عيون سوداء
وخضراء وزرقاء
عسلية
وملونة
عيون تتحدث بلهفة
وتفيض بانتشاء
عيون أم ملاعق شهوة
أم مجسات للجسد
وأنا واقف مثل أبلهٍ عارٍ
في زاوية القاعة
تحت ظل المكان"
  إنه مكان الموت الذي تقدّم في نصّ سابق، إذن لا بأس من الانقضاض على المحمول الخارج ما دام المحمول الداخلي بمأمن عن العيون، ولكن أليس بهذا يصبح النصّ الشعري الخارجي خطيئة أيضاً، لنقرأ إذن اللمسات الخفية التي تضيفها الذات على المحمولات ونحن نعبر نسيج التحوّلات في قصيدة " خواء كنخل العذاب الشقي " ولكنها تحوّلات تبقى كامنة في النسغ الآخر لوجه الحمّى الغيبي
" يهلّ الخواء
كأنّ عروساً من الجنّ
ضجّت بنحل العذاب
في الهزيع الأخير من الموت
جيث النجوم حكايا السؤال
حجارة روحي
أغضّ بدمع الفجيعة
ثمّ يهلّ الخواء
كما مهرة تستوي عند حدّ الظلام
فأهتف
مرحى بكفلك هذا المدجّج بالرمل
برودة جلد الأفاعي
وملمسها العذب
مرحى حصان الحياة الذبيح"
  نعم إذن هي الواقعة التي يشهدها الشاعر في تقلباته مع خطيئة الحمّى، ولكنه يستتر عن مكاشفة الذوات المنفلتة من عقالها باتجاه تثوير كلّ شيء، لهذا يكتشف أنّ الخفاء هو ملمس الحقائق، وحارسها الأمين، خفاء الروح، واصطيادها للممكنات، وحيوات الذات المغلقة، رغم قسوة اللحظة
" لا زوجة في الفراش تبلل وقتي
لا صديق يداوي جراد العذاب
لا حبيب يذرذر قهر المنافي
ولا أخوة في الغياب"
  هكذا يكشف الشاعر عن ملمح الذئب البريء من الخطيئة، ليستند في رؤيته على الخطيئة الشعرية التي تتنصّل من كثافة المعطى اللغوي الذي يفرض فضاءه على المتلقي، ليبقى مبصراً بحقيقة الخيط الخفي بين المحمولين " الداخلي والخارجي"، ليصبح الخيط في قصيدة " خيانات " مصدراً للندية بين المحمولين، فلا ينكشفان إلا على ما يحملان
" أصيح حبيبي
تعال إذن ضمّني
كي أرى شفتي جمرة
جسدي حقل نار
ضمّني... ضمّني
ليغيب المدى
وتزوغ الرؤى
لذة من دُوار"
  وتجلب هذه الندية الواقع الجلي للحمّى التي تصيب الشاعر لحظة الكتابة، حيث تلغى كلّ مقومات الوجود، وهي من أبهى تجليات الحمّى، ولا يبقى إلا الذات وحمولاتها من التجلي، كما تبدو سطوة الداخل في قصيدة " ينتظرون " منشغلة بمرضها الجميل، أو غيبتها الجميلة، والذوات منشغلة في إحداثيات وجودها المادي
" في المطاعم
في فراغ رؤوسهم
وامتلاء معداتهم
ينتظرون
في الحلم
في الواقع
في الغيب
وفي الممكن
على الهواتف
ينتظرون
سواي أنا
أعدو مثل طفل مشاغب
يرى فرحه قادماً في البعيد
ويهتف مطمئناً واثقاً:
حبيبتي"
 هكذا يصل الشاعر إلى قراره الوجودي، التمسك بالخطيئة الشعرية التي تفرزها الحمّى، حمّى الكتابة، برغم توحده وعزلته، لأنّ التمسك بالمحمول الداخلي هو وحده القادر على حماية الرؤيا من عبثية الأخوة الذين حاولوا ويحاولون كتم بيان حقيقة اللقاء، لذلك سعى الشاعر في نهاية ديوانه إلى تبيان أحوال الحمّى في قصيدة " أحوال حبيبي " والتي تفرّعت إلى " صوت حبيبي " مدخل الحمّى، و " مرآة حبيبي " حقيقتها، و " قبلة حبيبي " اتصال المحمولين وانسجامهما.
" صوتها
 أن تصير الحياة
مرج زهر، هوى دافقاً،
 لذة، وجنون"
  وهذه من منتجات الحمّى وفعلها بالمرئي وغير المرئي، أما بيانها ومدخلاتها فتظهر في " مرآة حبيبي" لأنّ الشاعر في أحوال الحمّى الكتابية لا يقيده حدّ " شكلاً ومضموناً".
" أنظرها تقف أمام المرآة
المرآة الشفافة مثل صباها
أتراها تنظر من عينيّ أنا
فترى هذا القمر الوسنان
ترى هذا الليلك فتّانا"
  وأما أحوالها المستقبلية فهي مرآة التشخيص لعلاقة النصّ الداخلي مع النصّ الشعري والتي لا تنفكّ عن تقديم رؤيتها للخطيئة الشعرية وثمارها.



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x