كهوف الجبال

 

كهف القطا

 

  في كهف القطا   ، حيثُ تنزّلت من لدن الأرض فكرة القصيدة   ، يجتمع كلّ ضحى الواصف وسلوم وسعيد بن السراج   ، يجتمعون من أجل بؤرة القصيدة ومركز نشاطاتها  ومختبر تمازج العناصر   ، وقوة فعالياتها   ، وانتظامها في سلسلة الصور   ، واحتشادها أمام المعطيات   ، وتهيئة قوس قزح أمام منجزات الشمس   ، وهي تعبر في زحام الغيوم   ، يجتمعون   ، يحددون آليات السرد   ، ويقررون نقطة البداية

  قال الواصف وهو يرى في سلوم ذلك الفتى المندفع باتجاه تثوير المفردات

_ كهف الضباع نقطة تحوّل حكاية الشوارع والطرقات   ، وهو نقطة التسارع الكامن في أنفاس القصيدة   ، وهو من مفردات قراءتك يا سلوم  

    ثمّ نظر إلى سعيد بن السراج وقال :

_ أما كهف الكنز يا سعيد فهو آلية السرد التي تتطلع إليها القصيدة  ، وعليك بالانفتاح على هذا الكنز من خلال الحارة العلوية  ، ليصير الامتداد العضوي للقصيدة مهيّأً للتواصل

       وقدّر الواصف سعة القصيدة   ، وتابع حديثه

_ أما كهف الحوريات فهو في ختم المختار أبي الحكم   وكهف العودة من مفردات رجب.

      أنا كهف القطا مستنبت القصيدة   ، وناقش تعاليم رجب  ومثوّر الرياح   ، وخاطف السكون من حجارة الصدى   ، أنا بؤرة القصيدة   ، وعازف أوقاتها   ،من هنا من عباءتي ستدار الكهوف   ، وستسقط أوراق خريف الكلام   ، ومن عتمتي ستضاء القناديل

وستفرضُ القصيدة صوتها

 

كهف الضباع


    بدأ سلوم في عملية تحضير الجزء السطحي من القصيدة  الجزء الذي سيكون موقداً لشعلتها وحراكها في أوساط التلاميذ والطبقة العاملة   ، ففي فترة ما بعد الظهيرة   ، كان يرابطُ على حدودها ويرسم أشكالها ويتلاقى مع قنواتها الواقعية .

      استطاع سلوم أن يحرّك خالداً أخ أرجوانه   ، وفوزي ابن الداية   ، وجميل الطوبرجي   ، وسليم بن الكاشف وعدنان بن رجب   ، وثابت ابن الحلاق عمر  بعد أن أيقظ فيهم مفاتيح الذاكرة   ، وطلاوة اللغة   ، وحواس المعقول   ، ورهان الرؤية   ، ورؤيا التراب فبدءوا يجتمعون في كهف الضباع   ، يتناقشون ويقرؤون   ، ويحددون معالم الكلام   ، ومناطق الصور  وينطلقون باتجاه الأمكنة   ، ويعودون على ألسنة من لهب   ، تتسع فيهم الأسطورة   ، ويتحاورون مع التناص  ويشكلون معالم الطريق من جديد

_ متى سنفتح باباً للقصيدة ؟

_ لحظة أن تدور الخطى في الرحى

_ ومتى سنغير المجرى ؟

_ لحظة أن نوقد في السنابل أحمالها

_ ومتى تتجه الإشارة غرباً ؟

_ لحظة ينشقّ القمر

    أنا كهف الضباع  ، جامع الكلام للغة  ، وسائق البيان للحديث  ، وباعث الرنين في عباءة الطريق  ، ومن عباءتي ستأخذ القصيدة شكلها

 

كهف الحوريات


   لم يكن سلمان أبو الحكم ليجمع الحوريات على منبع القصيدة   ، لولا زوجته عبلة   ، التي بدأتْ بعد أن شرح لها أهداف القصيدة   ، تستطلع العجز والصدر في العابرات إلى بيتها   ، ولأنها كما وصفها رجب ذات يوم بالمرأة الناهض لنهوضها بأعباء المخترة جنباً إلى جنب مع زوجها   ، فقد أضافت إلى هذا النهوض نهوض القصيدة في مجتمع الحوريات .

   عبلة أضمومة القصيدة في كتاب الحياة   ، وشاهد الحروف في تقلبات البيوت   ، على قدر كبير من الدراية بأحوال الحوريات   ، ومتنفّس أحلامهنّ   ، ومنتج كيمياء التحوّل في عناصر الأنوثة   ، وعبلة هي جامع الخيوط في مجرى الإبر   ، لحياكة ثوب القصيدة  وفستانها الأسري.

_ اسمعي يا دراقة   ، أنوثة الحياة هي أن تتصلي بذكورة الزمن   ، وأن تستعيدي جذوتها   ، وأن تسيطري على غبار الكلام

_ أنوثة الحياة هي أن أرى من أنا

_ وأن ترين من نحن في ذكورة الزمن  ، وعلينا أن نعدّل مسار الكلام  ، لنصبح أنوثة الحياة وأنوثة الزمن معاً.

   المعادلة الأولى هي أن تصطاد عبلة ذاكرة الفضاء وأن تعلّق الجرس   ، لتتقدم الحوريات باتجاه دوران الشمس   ، وهي من المفردات التي طالما قالها رجب لدراقة.

_ أتعرفين يا عبلة  ، كلامك يذكرني برجب  ، طالما حدثني عن أنوثة الحياة وأنوثة الزمن  ، غير أني كنت أرى في كلامه لغزاً لا أستطيع حلّه

_ رجب كان يحرّك فيك الأنوثة المنتقاة والمشتهاة في آن واحد   ، وكان يحرّك فيك ضمير المتكلمين   ، ولكنك كنتِ في مهب الكاشف غير قادرة على إبصار هذه المعادلة  ، برق الحياء الرمادي في عينيّ دراقة   ، وهي التي كانت تعتقد أن لا أحد يعلم بأمرها   ، ألهذا الحد لم تستر ورقة التوت عريّ خطابها الليلي

_ ومن الذي أخبرك ؟

_ لا تستر ورقة التوت أنوثة الحياة

   دارتْ الأرض تحت غطائها السرمدي   ، وانفلتت حبات القمح من سنابلها   ، فأدركت بأنّ نحول أمها وهذيانها   ، ربما يعود لاكتشافها أنوثة الحياة

   خرجتْ دراقة بعد هذا الرنين مسرعةً إلى نحول أمها وهذيانها.

_ أمي

_ جاء رجب يسأل عنك

صرخت أنوثة الزمن في أعماقها

_ رجب      

   أنا كهف الحوريات   ، خائط أسرار القصيدة   ، وحليب أصابعها   ، ومن حراكي ستأخذ القصيدة أوراقها     

  

كهف الكنز

 

   هو السياج الغربي يا أبي ما دام يوصلنا إلى قراءة القصيدة  ، وما دام على ترابه قوة الاندفاع واختصار الزمن لعبور المفردات  ، ليكن مفتاحنا الأوّل لرواية الكلام.

_ رجب يا أبي كان أكثر رجل في الحارة السفلية  ، يستطيع جمع عناصر القصيدة بحكم تخصصه في اللغة العربية  ، ولكنه اختفى مثل شمعة في سكون الرياح

_ ولم يعرف أحد أين ذهب

_ يقولون إنه ذهب للعمل في إحدى الحارات العلوية

_ ومتى يعود ؟

_ لا أحد يعلم  ، ولم تصل منه أخبار منذ اختفى

_ مصير الغائب أن يرجع

_ ولكن القصيدة بدأت بتحريك عناصرها ومفرداتها

_ أية قصيدة يا بني   ، هل أصابك مس

_ قصيدة الحياة يا أبي

_ وما شأن رجب بها

_ لا أعلم  ، ولكنه الوحيد القادر على ضبط إيقاعها

    إحساس مربوط بخيط من الحقيقة يراود سعيد بن السراج منذ اختفى رجب  ، ولم يحدّث أحداً به  ،

ولكنه وجد في أبيه سبيلاً لطمأنينةٍ قادرة على حفظ هذا الهاجس

_ القصيدة هي التي ستراود الطريق عن غبارها   ، وستكشف ما هو مبطون في الواقع من حراك خفي 

   أحسّ السراج بتلك الحمم البركانية التي تتفجر في أنفاس ولده سعيد   ، وهو الذي خبر قصيدة القسام

_ أخشى عليك من قفلتها يا بنيّ  ، ومغايرتها للواقع  ،

أو انقلاب النقاد والقراء على شكلها الحداثي

_ المهم أن تكون لها حاضناً يا أبي  ، عند زحاف تفعيلاتها

   أنا كهف الكنز المبطون في حديقة السراج   ، وفاتح بابها الغربي   ، أعيش في حضور القصيدة   ، وأقطف من تفاعيلها نبرة الأرجوان   ، أنا المنتشر في تفاصيلها  وقارئ خطواتها   ، وفي شوارعي ستنشر القصيدة أبياتها


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x