بين إربد والهاشمية

 


-1-

بين إربدَ والهاشميةِ

ثمّةَ جسرٌ قصيرٌ لأنفاس هذي الديار

وثمّة قوسٌ لإنجاحِ ثورتنا

بعد كلّ الذي صار في حيّنا مُحتملْ!

لَمْ أجِدْ لغةً للحياةِ هنا

غير أنّا اخترقنا جدارًا مِنَ الصمتِ

جُزنا السماءَ بأورادنا

وانتشرنا

لنأخذ فاكهة الأرضِ مِنْ عينِ بئر الحياةِ

انتشرنا

لنقرأ أسفارنا في الجهاتِ جميعًا

إذا ما عثرنا على الشمسِ

كانت لنا في الكهوفِ احترازًا

لِوِزْرَتنا في العِللْ!!

نسوةٌ لم يغيّرنَ لونَ نسيج الثيابِ

ولم يجترحنَ الحدادَ

رجالٌ ولَمْ يخرجوا عن سياقِ اللحاقِ

بلعبةِ زهرٍ أمام الدكاكينِ مرّوا خفافًا

فأملح قلبَ الطبيعةِ طفلٌ رأى

أن يشاكسَ بنتًا على صدرها وردتانِ

فهزَّ الطبيعةَ غربالَها والعيونَ

وأمّا الطبيعةُ كانت لنا تحت هذا الزحام

بواريدَ مِنْ فطنةٍ

واختزالَ الصعودِ

إلى بارجٍ في الحِمَمْ!!

-2-

تلكم الأرض كانت تواطئُ

خلف خطانا عديدَ الأثرْ

ينبعُ الزّهرُ مِنْ حِجْرها واثقًا

أنّ كلَّ الذي ظلّ في حِجْرها

حافظٌ للأمانةْ

تلكم الأرضُ لا ينتهي صبرُها

وهيَ تُغلِقُ باب المُقدَّسِ فيها أمام الخيانةْ

غيرَ أنّ النُّشورَ على حبلِها

كان أكثر مما يُعدُّ هنا

في بيوتِ النّساء اللواتي

يُجَهّزنَ ثوب الخنوعِ إلى كلّ حانةْ

ويبكيْنَ تركَ الأمانةْ!!

-3-

تقاصر قلبُ الردى عن وجودٍ غريبٍ

وأشعلَ في الليلِ رمّانةً للنشيد الأخيرِ

على باب أندلسٍ

بعد أندلسٍ

كيف صار الردى غايةً للفصولِ

وأشهرَ سروالَهُ في وجوهِ المدينةِ

بعد اختزال الرعاةِ

لألعابنا في تقمّصِ عُريَ البطولةِ

كان لهُ أنْ يُقيلَ الطريقَ عن الزنزلختِ

ويمضي إلى قفصٍ في الخطى

كي يرانا

تقاصر حتّى يرى واحةً من صدى العابرينَ

إلى ليلِ أشواقنا

نحنُ مَنْ جدَّ في لعبة الناشئينَ حيارى

ومتّسقينَ معَ اللونِ، لكننا

قد أضعنا الصدى في الرماديِّ

بينَ الخروجِ إلى الحربِ

أو بين أنْ نستردَّ رؤانا

وكلانا

قضى مُشبعًا باللجوء إلى ديرةٍ

كلّما صعدتْ باتجاهي

تحوَّلَ فيها الردى واشترانا!!

 

يا أبانا

إذا بُعْثِرَ النهرُ في ضفتينِ

استظلتْ بوردِ الحدائقِ أنثى

فللنهرِ قفزتهُ في خطانا

وللنهر أنْ يستريح قليلًا

فليلٌ طويلٌ هنا

قد تقاصرَ عن بيتنا في الأعالي

وكنّا لهُ غيمةً مِنْ سماءٍ

وينِذرُها قلقٌ طافحٌ بالنهارِ

أبانا الذي كان يملكُ جبهتهُ في القتالِ

رعى مقلتينِ على ضفتينِ

وأوصلَنا بعد يُتْمِ الكلامِ

إلى ساحلٍ مترفِ الأبجدياتِ

في قاع هذي القُرى الناعساتِ

وكان يراهنُ أنَّ النهارَ طويلٌ

وأن الليالي قصيرةْ!

وأنَّ البنفسجَ ماءُ الطريقِ إلى أرضنا

في فضاء الخياطةِ كانت تخيطُ لنا

والأهالي يُغنونَ: يا مرحبا بالعيونِ الأميرة!

واستعدنا اخضرارِ الربيعِ

هنا في القُرى قريةً قريةً

واغتسلنا بماءِ الينابيعِ

كان الجمالُ يُبلِّلُ أجواءنا بالحنينِ

إلى ساحل البحرِ: يا بحرُ

لا تبتعد عن مدانا!!

على سور بيت القبيلةِ لَمْ تنتبهْ جدّتي

للحوار الذي دار بين الحجارةِ

والكائناتِ التي سرّبتها "منيرةُ " للناسِ

كانت تُظلّل أحفادها مِنْ بني قريةٍ

أوسعتْها الجبالُ امتدادًا إلى الغَرْبِ

كانت تخافُ على طينة البيتِ

مِنْ فَرْزِ عشِّ الكواشينِ

قالت لأمّي: اصبري، فالمدى واسعٌ

والحنينُ إلى عودة الروح قابُ التشهّي

إذا ما انتظرنا هنا

بين حَبْسِ القصيدةِ في سجنها اللغويِّ

وبين اختراقِ الطفولةِ

قلتُ: اقتربنا مِنَ اللونِ في حكِّ قوسِ المدينةِ

قال أبي: في المدينةِ شيءٌ مِنَ الذكرياتِ

القطارُ لهُ سكّةٌ في الشوارعِ

حيفا تمرُّ على تلّ إربد

بين القصيدة والناسِ في شارعٍ مُخمليٍّ

تُداري الحنينَ

وحيفا تمرُّ على تلّ إربدَ، قال أبي:

في المُخَيَّمِ نَسْكُنُ

حتّى إذا ما توضّأ غيمُ السبيلِ

انتشرنا على بُقعةٍ لا فواصل فيها

هنا في المخيم نرفعُ ناي الحياةِ

ونرفعُ سقْفَ الوصايا

الأغاني لها نفحةٌ في الوصايا

كَبُرنا إذنْ

والتحفنا الدروبَ إلى هيجان النوارسِ

حتى الجيوش التي أجبرتنا

على أنْ نقيس المسافة بين البلادِ

وبين البلادِ بمسمارِ صَبرٍ

أقامتْ لها في العزاءِ خيامًا

ونامتْ!!، ولكننا لَمْ نَنَمْ!

 

 

 

 

______

*منيرة: والدة الشاعر


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x