وفلسطين كانت علم


-1-

وفلسطينُ كانتْ عَلَمْ!

مثل وحيٍّ تنزّلَ في جبّةِ اللاجئينَ

وفكَّتْ أزرَّتها

فانتشرنا هنا في السهولِ

وفي جوف هذي الكهوفِ

على قمّةٍ في أعالي السهوبِ

وفي كلّ شيءٍ

هنا كان يحسُرُ غايتهُ

معْ رهان النِّعَمْ!!

مثل وحيّ، ولَمْ

تنحسرْ قُبّعاتُ الخيالِ عن الصابرينَ

كذلك لَمْ يرتبط بالخيامِ الفتى الساحليُّ

فقام إلى السوقِ مِنْ أجلِ رمّانةٍ

قد تشعُّ على بطنِ أبنائهِ

إذ يعودُ إلى البيتِ

والريحُ قائمةٌ في حدود الحَرَمْ!

-2-

وَحَرَثنا السهولَ على مَهَلٍ

مثل حَرْث المُقِلِّ

التمارينُ كانت إذا شعشعَ اللحنُ

نقفزُ فوق السياجِ ونارِ الحِمى

والطيورُ إذا شقّ قلبَ الحبيبِ صدى ضفّتينِ

أتاحتْ لنا أنْ نرشَّ على ريشها

عطرَ هذا البهاءِ

وكنّا نمارسُ قرعَ الرّياحِ

على عَرْضِ هذي الطبولِ

ونحنُ إذا ما تعبنا

نمارسُ رقصتنا في العراءِ

اكتنزنا يدينِ مُضبَّبتينِ بغيم البلادِ

اكتنزنا تواريخَ للأمنياتِ

وللمجدِ يَظفَرُ بالسنديانِ

على ظهرِ هذي البسيطةِ

لكنّ وجهَ الحروبِ تغيّرَ

حتّى أجزنا العبورَ إلى نفقٍ في القصيدةِ

فابغِ إليه سبيلًا

ورمّم هنا تحتهُ سنديانَكَ

حتّى إذا ما تغيّرَ وجهُ الحروبِ

وخالطَ قوسُ الشبيهِ شبيهَكَ

فَأْذَنْ لها أنْ تمرَّ

لكيلا تعالجَ شيئًا هنا في اليسارِ مِنَ الوجهِ

أو صورةً في الجدارِ

وكنّا إذا ما شققنا عن الطينِ

قلتُ: التمارينُ أكثر مِنْ وجبةٍ في السهولِ

وأكثر مِنْ رحلةٍ لاختصارِ الطريقِ

وأكثر مِنْ وردةٍ في جذوع الأعالي

تطوّقَ أسرارَها بقليلِ اللممْ!

-3-

لَمْ تكدْ تطفحُ البئرُ مِنْ غيمةٍ في الجبالِ

ففاضَ بها مستطيلُ المقام

استدارَ إلى آخر السطح

كاد الحمامُ يرى نفسهُ

في جلابيبَ مؤمنةٍ بالسماحةِ

حتّى إذا أفرغ الليلَ مِنْ ظلهِ

واستدار إلى أرضهِ

حار بين العمومة والكفِّ

قال اهدَئي

فالسباحةُ لونٌ لحكمتها في الخيالِ

اهدئي، إذ تمرُّ القوافلُ حيرى

وإذ تسرحينَ على أيّ قافلةٍ

يسكنُ النّصرُ

أو تسكنُ القُبّراتُ بأحلامها

لم تكدْ تطفحُ البئرُ حتى امتلأنا بألغازهم

واحدٌ ينتمي للفراغِ

أقلّ الذي كنتُ أحسبُهُ

ينتمي في الضحى للأسيرِ

وآخرُ شدَّ إلى عنقهِ ربطةً

فاختلفنا هنا                                             

غير أني ابتسمتُ لهُ، فانْتَقَمْ!!   

كلُّ شيءٍ نعمْ

هكذا نأخذُ الريحَ مِنْ قلبها

إذ تَمُرُّ على وعدِنا في الطوابيرِ

أو إنْ جزعنا ضحًى

وفقدنا على لائها جنّةً عرضُها النُّورُ

أشجارُها مِنْ بناتِ الكَرَم!

يا أبانا فَلِمْ غادرونا

وهم يلبسونَ ثياب العُراةِ

وأشياؤنا للبلادِ قصيدةُ حُبٍّ

وقلبٌ أشَمْ

يا أبانا أينتظرونَ العَجَمْ!

 

وانتظمنا على سلسبيل النجاةِ

الرجالُ،

النساءُ،

الطفولةُ

والذاهبونَ إلى القبرِ

والعائدونَ إلى سروةِ الخيّرينَ

ابتدعنا شهودًا لنا في الخيامِ

اختلفنا

اتفقنا

ولكننا ما بسطنا جسومًا

ليعبرَ هذا السّقَمْ!!

-4-

الدواليبُ دارتْ على رسْلِها

في الجبالِ القريبةِ مِنْ حيّنا

والمدى كان أخضرَ تحت صريرِ البداياتِ

أخضرَ مِنْ غصن لوزِ الحديقةِ

والنّاسُ كانوا يتامى

وينتشرونَ

إذا ما تحلّقَ حول النهار شهيدٌ

رأى بقعةَ الضوءِ في الناي

كانوا يزفّونَهُ

والزغاريدُ تُطلِقُها نسوةٌ في مخاض الحياةِ

يسمّونَ أطفالَهمْ ثورةً

عودةً

والذين يقصّونَ صوف السريرِ

يسمّونهمْ في الطريقِ إلى الأرضِ

رؤيا فلسطينَ

أو سنديانتها

والذين يقصّونَ أكنّةَ هذي الحدودِ

يسمّونهم فاتحًا ونضالًا

ويحتفلونَ كنَسْرٍ على تلّةٍ في القِممْ!

 

نحنُ أوْلى، إذًا، بالعَلَمْ

مسحةُ الضوء كانت ترافقُ أبناءنا

حين يندفعونَ إلى الموتِ

مِنْ أجل هذي الحياةِ

ويلتحفونَ الترابَ

ويقتسمون مرارةَ هذي التُّهَمْ!

نحن أوْلى بآخرِ ضوءٍ تماسكَ في ثوب أمّي

وأرشدها أنْ تقيم الصلاةَ ضحًى

في أعالي الهَرَمْ!

  

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x