المشاركات

حمولة الخطاب الشعري في ديوان خطوط على لافتة الوطن

 


     تحاول   قصائد  ديوان  " خطوط    على  لافتة  الوطن"(1)،

إطلاق  خطوط مطر البدايات، التي  تنزع  في تمردها إلى تشكيل

سبيل  القراءة  الجنسوية  المادية،  التي  تندغم  في سياق الرفض

القاطع، لكلّ الأطر المحيطة بالكائن، غذ تبني حواسها من مفردات

التكوين الأول، مع سيطرة ميزان القلب  الذي  لا  ينسى  مفردات

هذا التكوين، بحثا عن جملة يتمازج فيها شكل البناء  الخارجي مع

جريان المعنى، الذي لا يتوقف

 

" أسمع صوتك عذباً كما النهر يسأل

لماذا تداور حولي وتمضي

فأصرخ :

هذي عيونك تبني أمام عيوني طريقاً

من الوعي

فليسقط الوعي

هذا زمان التحول للضدّ

 

للموت

للحقد

للحظة القاتلة"(2)

 

   ويتابع  عبد الله  رضوان  هذا  الطريق  عبر   مناخاته الشعرية،

باستقراء  مُدخلاته  التي  ستمرّ بها تجربة قراءة الجنسوية المادية عن

بعد،  فهو  لا  يحددها  إلا  لكي  تدخل  في مساحاتها المقروءة، دون

الالتفات إلى دورانها في الخطاب الواقعي.

 

" جاء المدّ قوياً

جاء الرعب، الحقد، الموت قوياً

جاءت لعنات الليل لتترك نهديها

نهشاً لذئاب الليل

جاء النفي، الطرد، القتل قوياً"(3)

 

    وتبدو  لغة  الشمس  واندفاعاتها  وهي  تشكل  جوانية   النص

أكثر  دفئاً  حيث  تحتال  على  الذاكرة المعنوية، وهي تسترد نبضها

من  مفردات  الطبيعة،  أمام  مرآة  القول  الشعري، وتتمحور حول

جملة  واحدة  أساسها  رؤيا الواقع، ومعطى الحنين القادم من سويداء

القلب  باتجاه  تقسيم  الذات  إلى  جناحين ، يطير  بهما إلى فضاءات

الحب والوطن.

 

" وأعلم أن هواك إبادة

وجوع، وقهر، وموت

فأصرخ في غربتي الضائعة

أريد إلهاً

وأرضاً

وتوار لوز

وأنثى

وتاريخ حبّ

وداراً

وفنجان سادة"(4)

 

      ويتقدم  الخطاب  الشعري  ليشكل  حالة   الاقتراب  من  ذات

المفردة،  وهي  تتقارب  مع  الضغط  العصبي،  الذي يفرزه الحامل

الإيقاعي  الداخلي،  في  مواجهة  القول الشعري باتجاه تمرينها على

القفز عن حواجز الرؤيا، لجهة اتصالها بالمعقولات.

" اكتمل النور بعينيها

والحزن اكتمل بشفتيها

صارت أكبر من حالة عشق عادية

صارت تحمل كل معاني الرفض

الموت

العشق

الطفل

الأنثى

أخذت تترجرج فينا الذكرى"(5)

 

    وتتحايل  اللغة  الأثيرية  على المعنى في خلق صور شعرية ذات

مجال  مغناطيسي  يمغنط  مادة  النص،  ولا تكتفي بالقول، بل تتعداه

إلى  خلق  توازنات  فاعلة  بين الصورة، والمعنى، والإيقاع، أقطاب

العمل الإبداعي وهو يتلو جلبة الحياة على المفردات.

 

" وآتي إليك

مع الصحو آتي

مع الغيم آتي

وأعلم أن نداءك كان هتافاً

وتوقاً للقيا النهاية"(6)

    وتنحاز مفردات  الغيبة  الشعرية  إلى  المقامرة   الظنية،  كونها

الأقدر على الالتصاق  بشفافية  المعنى، الذي يسعى عبد الله رضوان

لتوفيره،  لطاقة النصّ،  لتلامس  هذه  المفردات الغيبية مرآة الكشف

عن حقائق الصدمة.

 

" ينحلّ حزنك صوتاً طرياً يحاور

قد كنت طفلاً

فماذا تغيّر حتى غدوت بقايا شراع

قد كنت تبحر فوق دروبي

وتعلم أن السياط ستدميك في كل لحظة

وكنت تقاتل

كنت تحارب في حالة الوعي

فماذا تغيّر"(7)

 

    وتسوغ  القصائد  مفردات  الحيرة  لباحثة  عن  تواصل  الذات

مع  الذات  بعيدا  عن  مؤثرات الآخر الذي يشد عصب الحياة، من

خلال تدريج الحالة ونشر مقاماتها عبر الرؤية البصرية للكلمة، قبل

أن  يتصل  اتصالاً  مباشراً  بمادة  القول الشعري، بعيداً عن إثارة

الجلبة الشعرية  التي يعمد إليها كثير من الشعراء منذ مفتتح النص

لتثوير شكلانية التلقي.

" أنظر في عينيك

بدلاً أن ألقى مرفأ حبّ وحنان

موطن عشق

وصلاة تضرع بالأمل الهادف للتغيير

بدلاً أن ألقى دفقاً شعرياً

يدفعني لمعانقة الأشياء

ألقى صحراء الحزن بعينيك"(8)

 

       ولجهة  اتصال  الخطاب  بالمعمار  الفني منذ انجذابه من الهرم

الخاص  بالسرد  الشعري،  الذي  يؤنسن  الكلام،  ويفيض   بإيقاعات

تتناسك  عبر عملية  توافقية  تبدأ من رأس الهرم، ( اللغة)، إلى قاعدته

( الصور  الشعرية)  مادة  القصيدة،  تندفع  حمولة الخطاب إلى تثوير

المجال المغناطيسي بين الشاعر ومحيطه

 

" تعالي أسرح شعرك كي يستطيل

لأسكن فيه

تعالي

 

فإن العلاقة بين عيوني وعينيك

مثل العلاقة بين السماء وبين المطر"(9)

 

    هكذا  يستفرد  الخطاب  بأدوات  النصّ،  في محاولة للدخول في

الوشائج  المتنامية  بين  النصّ الشبيه والنصّ الغائب، مجتزأ الجزئية"

جزئية المتخيّل" من الكلية " كلية الواقع.

 

" يا وطن العشق بذاكرة الأطفال

انصهر الحلم برحمك

امتزج الواقع بالذكرى

أعطى أملاً

أعطى ثورة"(10)

 

    وتحدّد  قصدية  عبد الله  رضوان  في تفرّعاتها البنائية النصية،

حواس  فطرية  تتقاطع  فيما بينها، لتخرج بلوحة تمارس فيها غبطة

القول الوائق والواثب باتجاه سلوكية المعنى في الإطار النفسي

 

" ألا تعرفين بأن وقوفي أمام عيونك

وحدي مع الحب والذكريات انتحار

 

أناجيك إني مللت السقوط على الأرصفة

وأرجوك أن تطفئي كل هذا الظمأ

فجسمي كمهر ينادي ديارك، هبّي إلي

لكي أفتديك بقلبي"(11)

 

    وتبقى   الفواصل  البينية  تتقاطع  لتشكيل  حالة  النصّ  الشبيه

الذي  يتلاحم  مع  الذات، التي  توفر  بدورها   مناخاً   مغناطيسياً

لتحويل  مجريات  النصّ الغائب إلى نصّ شبيه، والنصّ الشبيه إلى

كينونة لها إيقاعها المقروء.

 

" أنا أنت والرعد يأتي

أنا أنت، والذكريات تصير حقيقة

أنا أنت، شمس ومهر وأنثى

وشعرك ينمو

مع الحبّ ينمو

مع الموت ينمو

مع الصبح ينمو

لكي يستطيل لأسكن فيه

كذكرى جميلة"(12)

     وتبقى ميزة  تقاطع  الخطاب  الشعري  مع السياسي في تجلياتها

الأثيرية  هاجساً  يلاحق  القصيدة،  وهي  تسعى إلى تحقيق المستوى

النفسي  الذي  يحيط بالمكان " الرؤيا" والمكان " الواقع والحال"، وهما

مستندان  يحققان  حالة  التواصل  أثر  انتقال  حمولة  الخطاب  بين

الذات " الشاعر" والذات " الراوي".

 

 

_________________________________

1_ خطوط على لافتة الوطن ط1 1977 الأعمال الشعرية ط1

2001

2_ الأعمال الشعرية ص441

3_ المصدر نفسه ص435

4_ المصدر نفسه ص445

5_ المصدر نفسه ص438

6_ المصدر نفسه ص450+451

7_ المصدر نفسه 442+443

8_ المصدر نفسه ص464

9_ المصدر نفسه ص491

10_ المصدر نفسه ص484

11_ المصدر نفسه ص490

12_ المصدر نفسه ص495

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x