شهر الأحزان


مع مطلع شهر الأحزانِ

ومع أوَّلِ ظلٍّ للفجر الكاذبِ

تسقطُ شمسُكَ، حين تنامُ

على فُرُشٍ مِنْ وجعٍ

يستفردُ بي

 

معْ مطلعهِ بعد النصفِ مِنَ الشهرِ المقبلِ

سوف تنامُ الحورياتُ على شجرٍ

معقوفِ الغصنِ، وتحلُمُ بيقينٍ

أنَّ الباحثَ عن تأويلِ الرؤيا

ليس نبي


بعد السَّنةِ الأخرى

مِنْ ميلاد الأشجانِ

سأبزغُ في حقل النّسوةِ مِنْ وجعِ الحُمَّى

وأحارُ بنهدينِ جميلينِ بثغرِ صبي

 

ذلكَ مطلعُ إلهامي

حين أدورُ على الحاناتِ

وفي لوحة أفكاري قِصصٌ عن زهرةِ توليبَ

وشاعرِها، حين تمترسَ بالريحِ

لكي لا تتنزَّلَ أنثاهُ عن الحيواتِ الأخرى

في الرّوحِ، وعن لغةٍ أوقفها همُّ النَّاس

على كَعْبٍ لَمْ تغمرْهُ الماءُ

وقدّاس النهرِ يجاورُ بعد صلاة الاستنساخِ

يدينِ مِنَ النَّعناع

لتحفظَهُ والدةٌ نسختْ بعض الخوفِ

على هيئةِ ضوءٍ محبوسٍ

في ريق مرارتها

إذ أشكَلَ حجمَ المرآةِ العليا

والليل إذا أقصى طفليهِ

عن الجوعِ الكافرِ

والحاكورة بعد الواحدةِ مِنَ الليل الماطرِ

والرعب من السكّانَ العدَميينَ

وتُجّار القهوةِ في البرد القارسِ

والزِّنار إلى الركبةِ

حين يميلُ إلى كأسِ الإلهامِ

بعقلِ غبي

 

تكسوني في الليلِ شظايا

مِنْ مُدُنٍ لَمْ تفتح لي أبوابَ شوارعها

فأغارُ على أرصفةٍ كنتُ أضارعُها في الليلِ

وأمحوها إذ تسقطُ أوراقٌ صفراءُ

مِنَ الشجر العالي

فأُكَنِّسُها

واحدةً

واحدةً

وأغار على ما فيها مِنْ أعشاش الطَّيرِ

هنا كان الدُّوريُّ ينام صباحاً

والحسُّونُ يغازلُ أنثاهُ، وفي الأعلى

كان الصقرُ يُداهمُ أفراخاً

خرجتْ مِنْ غفوةِ غُصْنٍ رعويْ

 

العالَمُ أكثرُ إيلاماً حين يصفِّقُ

أو حين يُداهِنُ نجّاراً جاءَ

ليصنعَ مِنْ شجر الثورةِ باباً

والعالَمُ وحشيٌّ حين يصرِّحُ

في الفجرِ بأنَّ الصقرَ غَويْ

 

هوَ ذلكَ يلبسُ ألفَ قناعٍ

ويُداري جثتهُ إذ يقضي

أنْ تتشابكَ في حالاتِ الحربِ

لترسُمَ أهراماً بائِسةً لجنازةِ

ناي الحزنِ العربيْ

والأعرابُ بدائيّونَ هنا

مخصيّونَ

وينتكسونَ

ويبتدعونَ تفاصيلَ المشهدِ

كان الغَرْبُ يحاولُ أنْ يجلِدَنا فوق العُصعصِ

في آخر حربٍ، والأحياءُ الموتى

ينحدرون

إلى حانةِ

هذا القهر الأممي

 

مع مطلع شهر الأحزانِ

وفي حلقاتِ التعتيمِ على إيقاعِ

الأرض العطشى للغيمِ

أرى مُدُناً تنهارُ أمام نزوع الشرقِ

إلى بواباتِ الغربِ

هنا جُبَّتْ نكستُنا

عن شارعنا

مِنْ قَبلُ

وجُبَّتْ نكبتُنا

حين تأخَّرنا عن تأثيمِ الحُكّامِ

وعِشنا منفردينَ على بُسُطْ مِنْ توتِ الأرضِ

تَعرَّى في الليلِ سرابٌ مشهودٌ

مِنْ صحراء الأمّةِ

إذ تهذي بسلامٍ دَمويْ

 

كَمْ يلزمنا الآنَ

لنحيا

أو لنحاول سَرْدَ الأيامِ

ولا أنوي أنْ أتفاعلَ

أكثرَ مع إلهام المعنى

إذ قُلِبَتْ في الزمنِ الحاضرِ عيناهُ

فألفى في الجبَّةِ أفعى

كم يلزمنا لنصيرَ بدائيينَ

ونعتاد على شَجَنٍ قرويْ

هو ذلكَ

والأيامُ دوالٍ تأخذُ منا، عفوَ الخاطرِ،

ما يحتاجُ لهُ العابرُ في خلوتهِ القصوى

إذْ يدفعُ بالريحِ إلى نايات الخُضرةِ

أو نايات الفرحِ النابتِ في أرضِ الغاياتِ

وليس يَرى غيرَ قوانين الحسرةِ إذ تتنزَّلُ

مِنْ شرفات التكوينِ إلى طينتها

 

هو ذلك

ليس يضارعُ غير أناملهِ في الليلِ

ويحذرُ مِنْ جنيِّ الساعةِ

إذ يتأخَّرُ

لا تتأخرْ، قال المسنودُ إلى غربتهِ

وسريرِ نواياهُ، وواظِبْ بالتحليقِ هنا

فالسَّقفُ مِنَ الحنطةِ

والبابُ يُداري مفتاحَ الخوفِ

وينهرُ رعشتنا

إذ يتقوَّسُ عقربُها

والغيمُ نَدِيْ

 

كبذارِ الحنطةِ في الثوبِ

يرى في شِقِّ الأرضِ سنابلَ

لا مدلولَ لها غير بطونٍ ذابلةٍ

ورعاةْ

ويرى ما ليس يراهْ

امرأة تخرجُ مِنْ أكمام الغيم

على هيئةِ أنثى الريحِ

فيدنو مِنْ صِفْرِ الوقتِ

يُباري الريحَ، تعالي

الميدانُ مساحاتٌ شاسعةٌ

لهبوبَ النَّاس على مَهَلٍ

والكأسُ يرى!

 

حاراتُ الدُّنيا تتفرَّسُ في الحربِ

وأطفالُ بيوتٍ ينحدرونَ

إلى آخرِ نقطةِ ضوءٍ، وينامونَ

ولا وقتَ لنا مِنْ أجلِ قيامتنا

كنهارٍ في أعلى الأرضِ

يُضيءُ توابيتَ الأجراسْ

خيلٌ ومَداسْ

إذ يتبرَّمُ واحدُنا مِنْ غربتهِ

في الغربةِ شيءٌ تتبنَّاهُ الحَيرةُ

والأسطورةُ نصفُ حصانٍ

ما مكثَ الخيَّالُ على صورتهِ عامينِ

ولا أقبلَ مِنْ وحدتهِ

لِيُضيفَ لها ما ليس بها

والميدانُ مكانٌ للحسمِ

وليس لتأطيرِ الكلماتِ على برجٍ لغوي

 

الشَّارةُ لي

ولها نصفُ قميصٍ يخضرُّ

ونصفُ قميصٍ يمزجُ مع أبيضهِ

ذاكرةً للأصفرِ

أو إيقاعاً لمرورِ النهاوندِ على تربتهِ

نصفُ قميصٍ مرثيٍّ بالخيطِ

تحيكُ لهُ الرؤيا

ما نقصَ مِنَ الأزرارْ

والعالَمُ دوّارْ

الشَّارةُ لي

وعليَّ تجمَّعَ مِنْ ذاكرة الحسرةِ

في الخيمةِ برقُ الصحراءِ

لأنبشَ أسنمةَ الجَمَلِ البدويْ

 

وكذلكَ

آلَ إلى غربتهِ الغازي

خوفَ الفتنةِ

أنْ تظهرَ بالصورةِ سوسنةُ الشعراء

وكانت بعد رمادِ القهوةِ

تدفنُ سيرةَ غربتها الأولى

تحت رجوم الخيمةِ

والراعي كان يلامسُ آخر نقطةِ ضوءٍ

عبرتْ مِنْ ثقبِ الناي

وما سَقَطَ الشهداءُ

ولكنْ سَقَطَ الغافل عنْ معناي

 

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x