بؤرة القصيدة

 

  في بقالة الحاج أبي الوداد  ،ثمة ما يثير الطيور والحمائم  ،ويجلبها راضية مرضية  ،حيث تتناثر حبّات القمح الفائضة عن سعة شوالات الخيش  ،أمام بقالته هنا وهناك  ،لا تخشى الطيور والحمائم شيئاً  ،فعكاز أبي الوداد على أهبة الاستعداد  ،لتمارس ضغطاً على الأطفال الذين يقتربون من حِمى بقالتهِ  ،لذلك ترى الطيور والحمائم أنها في مأمن من قذائف الحجارة   ،

_ الذي يقترب من هنا سوف أكسّر عكازي على قدميه اذهبوا إلى المدرسة   ، وحفظوا ما تقوله القصيدة   ،منولوج خارجي يتكرّر مع أبي الوداد صباحاً وظهراً   ، في الطريق والعودة من وإلى المدرسة.

  سعيد الطيري من رواد البقالة الدائمين   ، لا يحلو له إلا الجلوس على كرسي القش  ،ومراقبة الطيور والحمائم وهي تسعى بين يدي حِمى أبي الوداد  ، وسعيد الطيري هذا جاء متأخراً إلى الحارة السفلية   ، غير أنه وبحنكة اللسان استطاع أن يقيم شبكة من العلاقات مع أهل الصفوة   ، إلى جانب انفتاحه على عامة أهل الحارة   ، وكان هذا مدعاة لإثارة الفضول لدى الحاج أبي الوداد

_ يا أخي الذي يراك في آخر انسجام مع أهل الصفوة يقول إنك سيدهم  ، والذي يراك مع أهل الحارة  ، بقول إنك خادمهم  ،

_ الحياة تحتاج إلى مرونة   ، ولا تصدّق بأن الإنسان يستطيع أن يحيا بدون وجهين

_ ولكن هذا نفاق يا طيري

_ يا أخي وليكن نفاقاً  ، المهم إنك تعيش

_ وكيف تكون هذه الحياة التي تملأها جملة تخطّي الواقع ومفرداته

_ يا أخي يوم يأتي زمان الكشف  ، لا حاجة لي بالمفردات

    لم يكن الحاج أبو الوداد ولا سكان الحارة السفلية يعلمون بأن سعيد الطيري من سكان الحارة العلوية   ، لأنه وبحنكة اللسان استطاع أن يتمثل مفردات البيئة وأبنيتها   ، والذي ساعد على ذلك الاندماج   ، تلك العلاقة التي تربط الطيري مع رجب   ، والذي تربطه علاقة مع رجب لن يُسأل عن أيّ شيء.

    رجب يرى في الطيري الرمح الوحيد الذي يستطيع من خلاله أن يصوّب نحو بؤرة القصيدة   ، المهم كما قال رجب لأبي المنقذ   ، أن نعرف خفايا الحارة العلوية   ،وليكن الطيري مفتاحنا لذلك   ، ولو حمل حبّة قمح من لغة القصيدة.

_ لغة القصيدة في آليات العمل الشعري تحتاج إلى مولّدين   ، كيميائي لربط عناصر التكوين   ، وفيزيائي لربط حركة العناصر

_ سعيد الطيري هو المُولّد الفيزيائي   ، لجهة اتصاله بأهل الصفوة في الحارتين   ، وقدرته على الحراك المادي والمعنوي بينهما   ، فمن هو المُولّد الكيميائي؟

    تناول رجب مسبحة الشيخ أبي المنقذ   ، فركها بين يديه   ، ثم وضعها في يد الشيخ   ، رأى في مخيّلة القصيدة لغة من خارج قاموسها اللفظي   ، ولكنها لغة تدخل في البناء الدلالي لقوس قزح   ، همس بصوتٍ تملؤه الطمأنينة   ، وتحفُّ به قناديل البؤرة التي بحث عنها طويلاً في طرقات الحارتين

_ سعيد بن السراج  ، هو المولّد الكيميائي لجلاء بصيرته  ، ونسبه  ، وعناصره التي ستدخل في رحم الحارة السفلية.


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x