ملامح القصيدة الحراك الأوّل \

 

 طرحة قنديل


  لا يكتب الشاعر القصيدة بل تقوده إلى رحمها   ، ما عليه إلا أن يمارس معها ذاته   ، يفردها على الكيان العضوي   ، فَتُسْتَجْمعُ لديه قوى الداخل المحمولة على ثنيات الوداع .
  في بيت سليم العنزي خال أرجوانه اكتمل نصاب أهل الصفوة في الحارتين   ، إلى جانب الشيخ أبي المنقذ والحاج أبي الوداد ورجب   ، وبعد أن تجاوز الكلام مجرى الحياة وتشعيباتها   ، وبعد أن خرجت سخونة فنجان القوة مع مجرى الكلام قال العنزي
_ اشرب القهوة وعلى بركة الله  
  أرجوانه يا كلام الطيور للثمر   ، ستصبحين عناق المرايا للفضاء المطلق   ، ستتحسّسين إبر التجمّع الهلامي في الحارة العلوية   ، مع كلّ فنجانٍ من القهوة ستشربينه في بيت  المكوجي ابن السراج
_ إياك أن تنسي غزل البنات  ،
_ لا أنسى ولو ذهبت لسبعة بحور
_ انتبهي لبيتك الجديد   ، ولا تقلقي على طفلتيك   ، 
_ وأنت يا دُرّاقة ألا تريدين أن تعقلي وتتركي عباءة الكاشف  إنه يداعبُ فيك ضياع الشباب   ، وأنوثة الحياة فقط.
 _ رجب الوحيد الذي يريد منك أنوثة الحياة والزمن معاً  
_ ولكن رجباً غامض   ، تصوّري كل ما نلتقي   ، يحدثني عن قصيدة يريد شبك خيوطها   ، ويريد من أن أغزل له لوحتها على كأس الحليب  
_ ألا يعجبك أن تكوني مرآة قصيدته أيتها المجنونة
_ ولكن ما هي علاقته بالشيخ أبي المنقذ وبسلطان الأعرج
_ وما علاقة هذا بموضوعنا
كان يقول لي إنّ الشيخ والأعرج هما من نتائج القصيدة  ، تصوري الاثنين من النتائج  ، وأنا من المعطيات وتقولين لي رجب
_ مهما يكن هو فقط من يستطيع أن يسعدك   ، ويحميك من غدر الزمن
_ والكاشف جاه ومال وبسطة في الجسم والعقل  ، ويرى جمال مرآتي في تحدّبها وتقعّرها
   في محاولة لقطع تداعيات الذات وانكشافها على ذاتها أشارت دراقة إلى الفتاة التي تحمل الدربكّة   ، بحركة راقصة  ونصبتْ طولها مثل عود الخيزران  
تمايلت على نقرات الدربكة يمنة ويسرة  وغنّت بصوتها الناعم   ، وفي مقلتيها تجمّعت بلادٌ من الدمع
  خرجتْ أرجوانه من بيت خالها سعيد العنزي   ، محملة بالأدعية   ، أن يهدأ سرّها   ، ويرزقها الله أخاً لابنتيها   ، إلى جانب النصائح التي رشتها كلُّ نساء الحي   ، أمام فسطاط حياتها الجديدة
_ انتبهي
_ حافظي على بيتك
_ كوني قويّة
_ ضعيه كالخاتم  بإصبعك
   الحارة العلوية تبعد عن الحارة السفلية   ،فقط كما يقول الواصف   ، طرحة قنديل   ، ولم يفهم أحد هذا الوصف سوى أبي الوداد   ، إذ قال بأن طرحة القنديل تعني مسافة ما يطرح القنديل ضوءه   ، وعلى هذا التحليل ألودادي   ،نسبة إلى أبي الوداد تكون المسافة الفاصلة بين الحارتين قريبة جداً   ، ولا يفصلهما غير شارع ترابي عريض .
   لم تكن الإشارة الأولى لحركة القصيدة قائمة فقط على هذا الانفتاح الجزئي بين الحارتين   ، بل ضرب بأجنحتهِ على ذلك الخيط الرفيع الذي امتدّ من خلال هذه المصاهرة والنسب   ، فالحركة الرجبية أصبح لها ما يبرّرها   ، خاصة بعد ذلك الانسجام النفسي بين رجب والمكوجي .
   بعد يومٍ حافلٍ من الموالاة  ،والانكباب على فتح سجلات الحارتين  ،أصبحت القلادة الشعرية في أعماق الجزئيات  ،حيث تنادى كلا الطرفين إلى الولائم   ، وكان ينظم هذه الجزئيات وجود رجب وأبو المنقذ وأبو الوداد في كلّ المناسبات   ، وأحياناً الواصف الذي كان يفتقر للجرأة للدخول إلى بيت أرجوانه   ، خشية قرقعة المفاتيح في أقفال الماضي   ، رغم حرصه الشديد على متابعة السير على الطريق الترابي الذي رسمه رجب
_ أنا لا أعرف كيف تقدر على فراقها  أيها الواصف  ألا يثيرك خلخال قدمها وهي تنحدرُ من المطبخ باتجاه الديوانيّة   ألا تحكُّ أنفاسك تلك الشجرة التي كانت تظلّك معها ذات ضحى
_ الطرق الترابية يا كاشف أقوى من انزلاق الشهوة على بساط الذكريات  ، وهي أهمُّ من القبض على لحظة فانية.
    أمران كلاهما مرُّ تحت عباءة القوى النافرة في باطن الواصف   ، أرجوانه التي سيضطر للقائها بين الفينة والأخرى من أجل تعبئة الأسطر الشعرية للقصيدة   ، والكاشف الذي لا انفكاك منه   ، لغايات إبقائهِ على حواف القصيدة كما يرى رجب .
أمران هما الحراك الوسطي لأكثر اللقاءات بينه وبين رجب  

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x