سؤال الهوية

 


-1-

ما الذي تخنقُهُ الريحُ

أكثرَ مِنْ دمعةٍ في عيون الرّجالِ

إذا اعتنقوا موتَهمْ في بلادِ غريبةْ!

ما الذي تخنقُهُ الريحُ

لو اجتمعوا في بساتين هذا الغبارِ

وألقوا بأحمالِهمْ

عائدينَ إلى سرْوةِ الحُلْمِ

كانوا أشدَّ بلاءً مِنَ الخوفِ

لكنّهمْ أرجفوا صدرَها مرّتينِ

وناموا على قلقٍ

في الظنونْ

-2-

لَمْ ترَ الطائراتُ لهمْ خِبرَةً

بجذوع الحصى،

أقلعتْ وحدَها

لَمْ ترَ المركباتُ الخفيفةُ أيامَهم

وهيَ تخفقُ: يا موطنًا نائمًا في الجفونْ

لَمْ يرَ البرقُ في ثوبهمْ نفْسَهُ

والغيومُ كذلك لَمْ تستعدَّ لآفاقِهمْ

فاحتموا وحدَهُمْ بالحياةِ

وكَرُّوا على غفلةٍ عائدينْ!

-3-

أما كان للناسِ أنْ يتأنسنَ فيهمْ

سؤالُ الهويةِ إذْ شُرِّدوا عن عيون الخوابي

وأملاكُهمْ أصبحتْ ملعبًا للهوامْ

أما كان للنائمينَ هنا في البلادِ القريبةِ

أنْ يستردّوا اليقين الذي ضاع في غفلةٍ

وانتهى في مشافي الكلامْ

أما كان للصوتِ، يا ريحُ أنْ يختفي

بالرصاص الذي أحدثتْهُ قلاع العروبةِ

إذ يركبونَ المطيّةَ

أو يُنجزونَ شوالَ الطحينْ!

الملائكُ إذ يصطفونَ

الحديثَ عن الأهلِ، (شُرّعُ نفْسي القصيرةِ)،

ينتحلونَ مِنَ الموجِ

ما يختفي ظلُّهُ: مَنْ أكون؟!

الملائكُ أهلُ الكهوفِ القريبةِ مِنْ حيّنا

الذين تُقامُ لهمْ دولةٌ في السماء

وأخرى هنا

في شيوعِ مظاهرةٍ للفتونْ

سربلوا حاجةَ الشمسِ عن غيّها

وأداروا إلى الليلِ نايَ الجنونْ!

-4-

وضبابيّةٌ أمنياتُ الطفولةِ في بلدٍ

صار حاجبهُ أعجميَّ الهوى

واقتفى ليلَ أصحابهِ في الحوانيتِ

لا بأس،

إذ يتأنّث حبرُ الكراسي

وفي أرضهِ يلعب اللاعبونْ!

-5-

خطى أبجديةِ عِلْم السياسةِ

في رأيهمْ، أنْ يجوعَ الصبيُّ

وأن يحذرَ الرأسَ جَدٌّ تأذّى بأيامهِ

إذ يُعيلُ الغلابا

على شارعٍ طافحٍ بالأنينْ

وتلك الخطى أردفوها

بموتِ الجنينْ!!

-6-

سنديانةُ هذي العروبةِ حبرُ التزام الحيارى

بكأس الجيوش التي أرعبوها

وهمْ يسحبونَ البساطَ

يُؤدّونَ لحنَ السلامِ المقيتِ

افترقنا عن الضبعِ، لَمْ نكتشفْ

أننا في الضياع، ولكننا بعد قتلِ الأماني

سنرفعُ نخبَ الحيادِ الحزينْ!

-7-

ما الذي تخنقُهُ الريحُ

إنْ زوَّروا قاربَ الأمنياتِ

وغلّوا السّجينْ!

ما الذي سوف يطرأُ

إنْ نحنُ متنا فرادى على أيّ بابٍ

ونرقصُ

أو أيّ بابٍ إذا مرَّ في حلمِنا

عارضٌ لا يلينْ!

-8-

البداياتُ كانتْ تُؤسِّسُ لي شارعًا

مثخنًا بالجراحِ، ولكنهُ عامرٌ

بالصراط المُبينْ!

أثقلتنا النهاياتُ، لكنّها أشكلتْ ظنّها

في وجوهِ البداياتِ

حتّى تكالبَ ضغطُ الهواءِ على ظهرنا

فانحنينا،

إذا مرّتْ الريحُ تحني السنابلُ عودًا ثمينْ!

-9-

لَمْ نصلْ في المساءِ إلى رايةِ الشعرِ

فالشعرُ بابُ اجتراح الجمالِ

ونفي الخرابِ

إذ ما توارى الكثيرونَ خلف الحدائقِ

كانت معلّقةً، فانتبهنا إلى سعيِهمْ

والسُّعاةُ كثيرونَ جدًا

هنا في البلاد القريبةِ

يختلقونَ المنافي الأخيرة ليلًا

ونحنُ نثوِّرُ حدْسَ العبور إلى وطنٍ آمنٍ

أيُّنا يجتبي نقْصَهُ مِنْ سؤال الهويةِ

أو مِنْ سؤال الكرامةِ

أو مِنْ سؤال الخروجِ على الفاسدينْ!

-10-

كلُّ شيءٍ لهُ في الكوابيسِ أصلٌ

وماءُ الأصولِ لهُ نبعُهُ بالخروجِ

على قاع أغنيةٍ، صار يمشي إلى عودها

وترُ المُتعبينْ!

ذلك الشيءُ خيطُ المِجَنِّ

إذا خرج الماءُ مِنْ باب بئرٍ مُغطّى

رمادًا، وفينيقُ هذا الزمانِ لهُ غايتان:

انتصارُ الفضيلةِ، أو شحنُ

هذا البهاءِ الدفينْ!

-11-

كلُّ ذلك أوهى مِنَ العنكبوتِ

إذا اتّخذَتْ مِنْ رهان الخيانةِ بيتًا

وكان الخريفُ يُطلُّ برأس الأفاعي

وغاية أهل الرؤى في المنامِ

يُجيزونَ نوْمَ العوافي

ليرجعَ أهلُ الرؤى

بعد حينٍ إلى بيعةٍ في السقوط الأخير

هنا سالمينْ!

وأرجع نحو القصيدةِ مِنْ بابها

لا أقولُ إذا جئتَ تبكي

فَغُطَّ بكحلِ النّساءِ

أنا الآنَ أشهدُ أني نديمُكَ

أصفعُ رأسي بأوهى الخيوطِ

وأصفع وجْهي بجذر الخريفِ

وأبكي، كمثل النّساءِ، كما

أنت تبكي

فلا قوْلَ لي

كي أناطحَ هذا الخرابَ المبينْ!!


المقال السابق
المقال التالي

كُتب بواسطة:

0 Comments: