ملامح القصيدة الحراك الثاني \

 

  عباءة الأعرج


    تلك المخيّلة التي رافقت أهل الحارة السفليّة بعد موت سلطان الأعرج  ،حان وقتها بعد الحراك الأول  فقد اختفى رجب فجأة من الحارة  ،لم يعد يذرع الطريق بين البيت والمدرسة  ،ولم تعد أنفاسه تحلّق في حضرة الشيخ أبي المنقذ  ،ولم يكن يعرف أحد سبب هذا الاختفاء غير أبي المنقذ وسلّوم   

_ أين ذهب الأستاذ رجب ؟

سؤال لم يفلت من حمأتهِ أحدٌ من الحارة  ، والجواب الذي كان يكرّره أبو المنقذ لم يأنس لهُ أحد   ، ذهب للعمل في بلاد الرماد

   صادفتْ دُرّاقة في طريقها ألشوكي للقاء الكاشف   ، عباءة الأعرج على هيئة مسحة لطائفيّة   ، فحثّت الخطى خوفاً من تناسخ الأرواح   ، وخروج الأشباح  تعرّقتْ   ، وانحنى ظهرها تعباً   ، وما أن وصلت إلى مطحنة الكاشف   ، حتى تراءى لها أن لا زمناً في الزمن   ، ولا مكان يحمي جسدها النحيل   ، فألقت بكلّ أنوثتها بين ذراعيّ الكاشف   ، علّها تستعيدُ بعض أنفاسها التي حبستْ في فضاء ما رأت

_ ماذا حدث  ، هل أصاب أمّك مكروهاً  ، أم أن أحداً تطفل على خطاك الخفيّة ؟

  تخدّر الدمعُ في مقلةٍ لم تعد بعدُ من هولِ ما رأت

سحبتْ نفسها من ذراعيّ الكاشف بعد أن شعرت بلطائف الذات تسبح في ملكوت الأسود المتراخي

_ لن تصدقني إذا قلتُ لك أنني رأيت الأعرج

   ضغط على أصابعها في محاولة لاكتشاف نبرة الصوت القادم من أعماق الخوف

_ ربما رأيت أحداً يشبهه   ، أو خيّل لك ذلك   ،

_ أقول لك إنني رأيته في عالم الحقيقة وليس عالم الأرواح

    تنبّه الكاشفُ إلى رجفة اللسان  ، حاول أن يمتص عتمة الكلام من شفتيها  ، ولكنها نفضتْ رياش أنوثتها الفزعة  ، فبسمل على ستائر الوجود  ، في محاولة لاستدراج ما بقي من الواقع الافتراضي

_ أين رأيتهِ

_ يحومُ حول كهف القطا الذي كان ينام فيه

  هي علامة بمنظور الكاشف تدلُّ على تناسخ الأرواح وانكشاف عالم الأشباح   ،

_ ولكن الأعرج شبعَ موتاً يا دراقة   ، دعك من هذه الأوهام.

  انكسرتْ مزهرية الطمأنينة في داخلها   ، كانت تظنّ أن الكاشف   ، وإن كذّبها الآخرون سيصدّقها   ، فهو أنيس مجرّاتها   ، وحامل سرّها   ، وباعث رغوتها من عدميّة رجب.

  في الصباح المريض بنقصان المناعة   ، والمريض بتراتيل انسحاق الزمن   ، القابض على أعناق الناس  كان سلّوم يقشّر برتقالة ظهور الأعرج على الأرصفة الترابية   ، مما جعل دراقة تخيط مسلّتها في جلسات النساء والفتيات

_ حسبتُ أنني أصبتُ بالجنون   ، ولكن كلام سلوم يؤكد لي أن ما رأيته حقيقة

_ وليس سلوماً وحده من رأى   ، كثيرون هم من رأوا الأعرج قرب كهف القطا

وأضافت أخرى :  يا حطب الحارة جاءك هشيم النار

   هيَ لحظة أولى لعبور الذاكرة الشعبية إلى متن القصيدة   ، وهيَ التصاق الكلام بمغزى الدلالات   ، وهي انبعاث الرمز من كهف القطا   ، وصولاً إلى حركة مغنطة بؤرة القصيدة   ، وهيَ رجب وأبو المنقذ وأبو الوداد وسلوم والواصف وأرجوانه والمكوجي وأبوه السراج

 

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x