ملامح القصيدة / الحراك الثالث

 

الحراك الثالث \ الكهف

 

    بدأتْ الفعالية القدريّة تخيط عباءتها في الكهف   ، وبدأ حضور الواصف وسلوم والمكوجي  يشدُّ خيوط العنكبوتِ على أبوابها   ، وبدأتْ مفردات القصيدة تأخذ حيّزها اللغوي   ، وتضمرُ في صورها الحيّز الفعلي للرمز.
_ علينا الآن بإقامة البناء العضوي للقصيدة  ، من حيث الدلالة  ، وعلينا عدم الاطمئنان للحشو  ، وعلينا البحث عن صيغ الحواشي  ، فالحواشي هي المركب الفكري للقصيدة  ،
قال سلوم :
_ أنا سأبحث عن المفردات اليومية
قال المكوجي :
_ وأنا سأهتم بالبحث عن المنبر
وقال الواصف وهو الأولى بالحواشي لقربه من أهل الصفوة
_ وأنا سأنظّم المركب الفكري للقصيدة
   الكهوف إذن هي الملجأ البدني لأوراق القصيدة   ، وهي المجمع الباطني للاحتفاظ بالرمز   ، رغم حضور القناع   ، فما علينا الآن إلا أن نحافظ على خيوط العنكبوت   ، وورقة التوت   ، قال الواصف وهو يودّع سلوم والمكوجي
   الاستثمار الرهان المبدئي لحالة الولوج إلى القمة   ، وإحدى مقوّمات الوصول إلى معطيات القصيدة   ، والمنطلق البديهي لتشعب المسئوليات   ، وتؤكّد مسيرة رجب واستثماره لكلّ مفردات الحارة هذا النهج   ، فكثيراً ما كان يراهن على مفردات الحارة حتى تلك التي تصطدم مع بنية القصيدة التراثية   ، والتي تمتح من فضاءات التجريب   ، سعياً إلى تحفيزها وإطلاقها في مناخات القصيدة   ، لإظهار قيمة التمازج والتداخل بين أصناف الكلام   ، وكان لا بدّ لكلّ من يدخل في خلوة القصيدة   ، أن  يمتح من هذا التصوّر التصوّفي الواقعي   ، صفاء السريرة   ، واحتشادها على بوابة التأويل .
    الواصف يدرك تماماً هذه الثيمة المعنوية لاستثمار الرهان   ، خاصة مع أهل الصفوة   ، وهم الأكثر انزياحاً عن خطى رجب
_ ما رأيك يا كاشف أن ندخل في لعبة محاكاة الواقع
بلع الكاشف ريقه أمام هذا الفضاء اللامتناهي الذي يحوم في ضفافه الواصف   ، بِدْءً من إصراره على رؤية الكتلة الليلية   ، وليس انتهاءً بعلاقة الواصف مع المكوجي ابن السراج الذي خطف على رأي الكاشف إيقاع الواصف الضحوي
_ أرى أنك تدخل في عباءة الحراك البنفسجي أيها الواصف
_ بل أدخلُ عباءة ماضيك المنشغل برماد الحاضر
_ إذا أردتَ أن أسمعك قصيدة الماضي لا بأس  ، ولكن عليك أن تأوّلها بنبيذ الحاضر
_ شرط أن تعِدَني بتأويل قصيدة الحاضر بنبيذ الماضي  ، وأن لا تركن للخيوط المتشابهة
_ وأين هيَ قصيدة الحاضر  ، وأنتَ ترى الناس يحبسون أنفاسهم في مطاردة الوهم
_ أقصد إذا كُتِبَتْ قصيدةُ الحاضر
_ وهل هناك شاعر لهُ حواس الخيل والليل والبيداء
    ترتيب أفكار القصيدة ومركبها العضوي يبدأ إذن من الكاشف   ، ليس امتداداً لخبرتهِ في التعامل مع متن قصيدة الماضي   ، بل لإخفاء أكبر قَدَرٍ ممكن من الانقضاض على مجرى الإحالة الكلامي الذي ينوس بهِ الكاشف كلما صادفته الصور التجريدية التي كانت سياج القصيدة فيما مضى   ، من هنا تأتي مهمة الواصف   ، من دفعهِ للكاشف ليراقب فقط هذا التحوَل في المنظور من التجريد للحداثة 
   السباق اليومي  ،ومباراة كرة القدم بين الحارتين تعتبر من المفاتيح الدّالة على قوى الضغط النفسي  والحراك الجسدي  ،لجيلٍ لم يتفتح على أرجوان الأرض  وتعاليم رجب لسلوم أن يصطاد من هذا التوتر فرصةً لترتيب السباق واللعب  
_ يجب أن تكون على بينةٍ من المفردات  ، التصاقها بالزمن والمكان  ، وانجذابها للمعطيات والنتائج  ، في كلّ مسابقة أو مباراة
  النزوع إلى النفس القصير كثيراً ما يترك أثراً سلبياً للمراقب   ، لهذا عليك يا سلوم أن تكون إحدى هذه المفردات اليومية   ، كما كنت سابقاً   ، ولكن في عباءة جديدة   ، لها قوة على امتصاص المؤثرات الداخلية والخارجية
_ ليكن لباس فريق الحارة العلوية الأبيض والأسود  ولباس فريق الحارة السفلية الأحمر والأخضر
  قال أحد الشباب مستغرباً
_ ولكننا دائماً نلعب بلباسنا اليومي  ،
  قال آخر وقد أخرج جيبه الفارغ
_ ومن أين لنا أن نشتري لباساً جديداً
  انتبه سلوم إلى قاموس المفردات   ، وفي محاولة للوثب على القاموس قال
_ نلعب كما كنا سابقاً  ، على أن نبدأ بجمع المال من مصروفنا المدرسي لمدة تكفي لشراء اللباس الجديد
   أعجبتْ الفكرة فريق الحارة العلوية   ، ولكنها لم تجد استحساناً كثيراً لدى بعض فريق الحارة السفلية   ، لقلة الحيلة أو لاعتبار اللعب هو فقط لتمضية الوقت          
 فأردف سلوم
_ بإمكاننا أن نشكل لجنة لتلمّ التبرعات من أهل الحارتين   ، فقط لغايات شراء الملابس
    اقترح أحد الموجودين على سلوم أن يكون رئيساً لهذه اللجنة   ، ولكنه رفض بشدة   ، لأنّ من تعاليم رجب أن تحرك المفردات   ، دون أن تقوّمها بلغتك خاصة في بداية حراك متن القصيدة .
  للقصيدة أن تشكّل منبرها   ، ولها أن تستعدّ لمواجهة الجمهور   ، قبل أن تكتمل القصيدة علينا بالبحث عن المنبر والجمهور   ، وعلينا أن نكون قادرين على المحاورة والتأويل ونثر المُعطى الشعري   ، وتحليل الصور   ، وإعانة الرمز على المواجهة رغم بعد المسافة الزمكانية للمتن .
_ لنا يا أبي لغة واحدة ومقام واحد في الوجود   ، أليس حريّا بنا أن نفتح سياج الحديقة أمام أهل أرجوانه   ، لماذا عليهم أن يدوروا من الباب الخلفي
   لم يمتعض السراج من كلام ابنه   ،
_ ولكن يا بنيّ إذا فتحنا السياج  ، سيكون معبراً لكل من تخوّل له نفسُهُ اقتحام الحديقة  ، عندها سنخسر كثيراً.
  تذكر المكوجي كلام رجب عندما زاره بعد زواجه بأسبوعين بأنّ الأمور تُؤخذ بالنسق التصاعدي في
بناء القصيدة   ، وليس بالالتفاف على مجمل عناصر التكوين   ، وتحدّي الصورة الطارئة على الفكرة
_ إذن لنفتح طريقاً واحداً من الجهة الغربية للحديقة   


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x