يا أهل غزة


    إلى خميس لطفي

(1)
آهٍ من الموتِ إذ في الصمتِ ينكفئُ
ومجملُ البيتِ أحلامٌ وتنطفئُ
قد أفرغَ الدّمَّ من معناهُ لي وجعٌ
وبايع الجرحَ في منفاهُ لي نبأُ
جسري تعاورَ ليليْ
والهواءُ خبا
لمّا سمعتُ بنار الموتِ تجتزئ
فجئتُ أمشي وأمشي خلفَ حيرتهِ
يا نخلُ فاهدأ فقدْ أسرى بهِ الملأُ
كانت فلسطينُ من شاراتهِ لغةً
فاختارها، ومضى
والناسُ قد صبئوا

(2)
فَتِروا
ولم يفترْ كما فترَ المعزّونَ
ارتقى لخيامهِ في الحلمِ
صكَّ على خروقِ الحرفِ
وارتشفَ القداسةَ من هوى مفتاحهِ
بيدٍ معتّقةِ
وجهّزها بأعلام التصوّفِ
ثمّ نامْ.
فرَّ اللهيبُ من الرّخامْ
وأتى على وادِ الحقيقةِ
سار بالرؤيا إلى جهة الشموس
وقال ربي إنني زوّجتُ حرفي للطقوسِ
لأجلِ من ظلّوا
ومن رحلوا
فرادى نحو قافية الخيامْ
يا أهلَ غزّةَ
إنّه الغزّيُّ شيّعنا
ونامْ

(3)
كانت فلسطينُ الإشارةَ
والولادةَ
والسلامْ
مَلَكَ الكمانَ
فقلتُ: يا ملِكَ الكمانْ
عَطسَ الزّمانُ
ونام عن موتي الجبانْ
فأصرَّ ضحكتهُ
كما كانت تقابلني على وجعٍ
تفاصيلُ الكمانْ
وانحازَ للفقراءِ
عبّأ طلقةً عربيةً
وأتى برمش الموتِ محتاجاً
إلى لغةٍ  تُهدّلُ ثوبها
لترى الضياءَ من الظلامْ
وأتى على وادي القصيدةِ صاعداً
لخطى الطريقةِ شاهداً
متسلّلاً لدم العروبةِ صائحاً:
من أيِّ منزلةٍ سيأتي الكبشُ
يا لغة الحمامْ؟!

(4)
في الفجرِ قبل رحيلهِ عنْ سكة التأويل
تحت منازلِ الذكرى
توسّد صاحبي أيامَهُ الحبلى
بأحلام الفلسطيني
وقارع ضجةَ الليمونِ في هذا الزحامْ
مرّتْ على شفتيهِ أغنيةٌ
وهدهدها على باب البهيةِ
والشواطئ
وانتمى لحقيقةِ التكوينِ في جسد الفلسطيني
وزرَّ على القذيفةِ
واستقامْ
ما غادر المعنى
ولم يقفلْ على أفراخهِ وطنا
وهيّأ للمدى كفنا
ولمْ ينأى بعيداً
إنّهُ الشمس التي تنأى
وتتركنا حيارى نحتسي وجعاً
وأسئلةً نمارسُ في رعونتها الصيامْ
لكنها تمشي إلى أولادنا بنبوءة المعنى
هنا ولِدَ الفلسطيني
وهيّأ نومَهُ
ودنا إلى وطنٍ الغرامْ
وقرأتُ في نصّ الحكايةِ
أنّهُ بلغ الحقيقةَ
واستقرَّ على المقامْ
ولهذا نامْ
هو نائمٌ
والناسُ في جَدَلٍ
وهم موتى
فهل في النوم يُفتقدُ الغلامْ؟!!
يا أهلَ غزّةَ
إنّه الغزّيُّ 
شيّعنا
ونامْ

(5)
أسبابُ رحلتهِ حياةٌ
والتحامٌ
وانسجامْ
والأرضُ تبكيهِ
ويبكيهِ الذي فقد الكلامْ
أمَّ الشهادةِ في تضاعيفِ الكلامْ
خطّتْ لهُ الدنيا ملامحها
فكوّر خدّها
وأتى يُعشّبُ صدرها في الشعرِ
ممتشقاً تراتيل الحسامْ
يا أيّها القمرُ الفلسطيني
إذا سألوك عن وطني
فقل ما زال حيّاً في الأجنةِ والرسالةِ
والتقاط القمحِ من رئةِ الزحامْ
ما زالَ يبحث في التفاصيل القليلةِ
عن مرايا الالتحامْ
ما زال رغم تفجّر الشهداءِ
مرفوعاً على ريش الغمامْ

 (6)
في كلّ يومٍ
كان يرقبُ فخَّ أطفال الرصيفِ
وملتقى دمع الأحبةِ في الخيام
كانت لهُ غزواتهُ في الشعر
من ملك الكمانِ* إلى التماس**  الوجد في رئة الحِمامْ
والأرض ودّعها / ونامْ
في كلّ يومٍ 
كان يحرسُ قبلة الشهداءِ في وطني معي ***
في كلّ يومٍ
 كان يقرأ سورة الموتِ احتفالاً بالحياةِ وبالأنامْ
والآنَ نامْ
في كلّ يومٍ كان يرشد عاشقاً للحبِ
يخلع عن صراط القلبِ فاتحة اللثامْ
والآن نامْ
يا أهلَ غزّةَ
إنّه الغزّيُّ شيّعنا ونامْ
 _____________
     *أسماء دواوين للشاعر الراحل خميس لطفي

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x