حِسْبة العشاق



هيَ قهوةٌ في الليلِ تشربُها
على مَهَلٍ صديقةْ
هيَ حِسْبَةُ العشّاقِ عن قمرٍ
أضاعَ البحرُ ليلكهُ
وأنساهُ طريقهْ
هيَ غَيْرةُ الشعراءِ
من معنًى يفيضُ بمدّهِ ليلاً
على جُزُرِ الحديقةْ

سأسترخي قليلاً
ثمّ أجمعُ حوليَ الأطفالَ
والعمّالَ إذ يعلونَ روحَ هوائنا في الكوخِ
والقاموسَ إذ ترقيهِ سيّدةٌ من المنفى
وعاشقةٌ تغادر سرّها حذراً
ونايٌ تشهقُ الرؤيا على أقراصهِ
وكذلك الجِنّ الجَهُول
لأختلي برموشهِ
وأذوق في المعنى بريقهْ

هيَ سيرةٌ لمديح هذا الوقتِ
بعضُ تنافرِ الأحداثِ
إقصاءُ العيونِ عن النوافذِ
وانهمارُ يقينِ ذاكرةٍ طليقةْ

هيَ سيرةٌ لتُتيحَ لي نبشَ الجذورِ
وهيئة التأنيثِ
مرمى الكلّ في جسدٍ شتائيٍّ
ولا أبدٌ يُقيلُ جهاته في الظلِّ
هل يتسامرُ الملهوفُ
أو يغضي إذا طرَقَ الضيوفُ
عليهِ باب البيتِ؟!
كان الغيبُ ينشُرُ في المساءِ غوايةً
وسحابةً ملأى بأقراص الندى
والملحُ كان دفينَ حَنجرَةٍ عتيقةْ!

ولدى الشوارعِ جارفاتٌ تنقلُ الطينَ القشيبَ
ومُهرةٌ في آخر الحيّ المبهدلِ
تنزعُ المريولَ
تنساني
وكعبي غائرٌ في ربكةِ المجرى
وأغصاني رشيقةْ
وعلى السريرِ تقيلُ عثرتها
وتأكلُ بعض أطباق السليقةْ

وكأنّها خبُرتْ جنونيَ
لا حنينيَ
لانتزاع البرد من قدمي
وأمّي تقرأ الأشعارَ في لغتي
وتنهرني لأسلِمَ رأسَ أشيائي
لأحلامي الصفيقةْ

هيَ قهوتي
وأنا أعاجلُها بماء السهرة الأولى
وأنهض في طريق السنديانِ
كأنني الولَهُ القديمُ لجارةٍ
عبرتْ مساراتي السحيقةْ

وأتتْ على جذعي لتكتبَ نزفَها
لي ليلةُ البرقِ
اصطفافُ الناسِ في حلقي
وأسراري عميقةْ!
فأجرْتُها من نفْسها
منّي ومنْ ليمونها
برزتْ قشوريَ عنْ مِهاد الظنِّ
فالتفّ المدى عن ساقها
برزتْ كما برز الغبارُ على صفيح الأرضِ
أو مثل التي التفّتْ على ساقي
لتنهض بالصدى
وكما تجلّى في رقاع الخط
تكويرُ العيونِ الهائماتِ
" الرّقصُ من أسبابها الدّنيا "
فألهمها  الفتى إيقاعهُ وبروقهْ

ونصبتُ في هذا على مرضي تمائمَ
قوسَ إعياءٍ
ومنشوراً لأحفادٍ مضواْ في الحانِ
مرّوا من قميصي
قلتُ: أرحلُ
قال لي وتري: تمهّلْ
قلتُ: أرحلْ
قالَ لي
لحجامةِ في الشمسِ
في مرمى الحلولِ على طِباقِ الحرفِ
أو حرفِ الجِناسِ إذا تولّى
صورة الأفعالِ
فانتبذتْ ملاذا للخروقِ
ولَمْ ينلْ من شَعْرةِ المبنى خروقهْ

وهو الرضيُّ المُجتبى
صدرُ النهارِ
وأوّلُ الأسماءِ في رحِمِ الصفاتِ
كأنني أُضفي عليهِ من المدارِ كواكبَ المعنى
وأُشْمِسُ ليلَهُ
وأحطُّ عن جذعِ المسافةِ ظلّهُ
وأُقيلُ عن باب الخرافةِ
_ ذاتَ ساحرةٍ لأهلِ ملاءةِ الفنجانِ _
شكلاً صاعداً من ربْكة الفوضى
إلى تأنيث مرآةٍ رقيقةْ

هُوَ المبنيُّ من عرضٍ إلى مرضٍ
ومن مرضٍ على عرضٍ
ومن عرجٍ قديمٍ بلّلَ الجدرانَ
واستثنى حريقهْ!

ماذا يريدُ الشعرُ منّي
من عِواء الذئبِ في بريّة الإيقاعِ
من ماءِ الكلامِ على الخريطةِ
من فضاءٍ مُعتمٍ زوّارُهُ القتلى
ومن الرّضا
والخوفِ؟!
لو قصفوا جناحَ حوارهِ البريِّ
أو كسروا أمامَ الريحِ مرآةَ الذهولِ
ورمّموا كأس الرّمادِ
تخيّروا رحْلي
وعانوا مثلما عانيتُ
أو خاضوا
كما خاض المصفّى
في شوائبهِ قديماً، أو تنادوْا
في المنازلِ منذَرينَ
ولَمْ يجادلْهمْ
كأنّ يديهِ مرآةُ الشقوقِ
نباتُ أفراسٍ مشوقةْ

هيَ قهوةٌ ليليةُ الرؤيا
خطوطٌ في فضاء قراءةِ الأسرارِ
امرأةٌ يجنّبُها الهوى جاراتِها
أُمَمٌ تغادرُ حصنها
رُقيا لِمنْ عبثوا بماء الأرجوانِ
متاهةٌ للطيفِ في نِسَبِ المرايا
خامةٌ للفنِ
تشكيلٌ بدائيٌّ لأعراقٍ غريقةْ
وشرِبتُها
... امرأتي تقصّفَ مَشْيُها
من غرفتي للمطبخِ العربيِّ
وهيَ تُأوِّلُ الإيقاعَ بالنبرِ الذكوريِّ الشديدِ
البائنِ الغامضْ
طفلي تورّمَ حلْقُهُ
وأبي منَ المنفى نهضْ
وشرِبتُها
أمي تمارسُ في منامِ الكائناتِ حقيقة المعنى
وتكسرُ في الشوارعِ حدةَ التكوينِ
تلقى جارتي ببهائها
وتعوذُ من جِنٍّ عَرَضْ
وشرِبتُها
وقصيدتي وقتٌ من الإلحاحِ
خلف زجاجهِ المنثورِ
والمشطورِ في طرقاتها
والمائلِ المنشورِ بين الغرفتين
وسلّةِ التفاحِ
والكأسِ الأخيرةِ
وانحسارِ المدّ عنْ سِبْطِ الرّدى
وعقوقهْ!

هيَ قهوتي
والغيمُ يُثقِلُهُ تأزّمُ هرّتينِ أمام طاولتي
فأَهْدَأُ
يا رياحي غادري بيتي
وشيلي عنْ طريقِكِ ضرتينِ
أو اهدئي
لأتمَّ بحثي عن سرايا النحلِ في وجعي
إذا آبتْ إلى جبلي
وأَخرُقُ جدولينِ
أنا المُصفّى من تمائمهِ ووحدي
وهوَ المُبكِّرُ بالوضوح
رَعَيْتُ مائدتي
وأولمتُ العقيقهْ!!

هيَ قهوتي
والسّكّرُ المنفيُّ من مائي
رشا في مطلعي
فأتيتُ منفتحاً على نصّ الغيومِ
كأنني أتبرّدُ الأشياءَ في كانونَ
استرعي شروقهْ
وكأنّهُ عُقبى لأهلِ الوجدِ
في رأسي غبوقهْ!!

ما ظلّ منْ ميزانِ صرْفِ الحالِ
يا معنايَ غير السنديانِ
رثاء أيامٍ تجلّى في رؤاها الحامضُ الأزليُّ
أسبابٌ لهذا النصِّ
كنتُ أديرُ مذياع القُرى
في لحظةِ الهذيانِ موسيقى
لأعلن للنهوضِ
على الرصيفِ حرارةَ الأشجارِ
في طقسٍ يُمارسُ صحوَهُ
وشروقهْ!
وأنا الذي بدّلتُ ثوباً غيرَ ثوبي
وأَلِفْتُ في اللاشيءِ
أمراضَ الشقيقةْ!!

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x