أصفاهمُ هذا الولدْ!


لستُ مُنحازاً لها
ولا طبالَ امرأةٍ على نهر الحياة
لستُ ميالاً إلى أعرافها الأولى
ولستُ مُدرَّباً في ساحة المعنى
لأشعل حربنا في الريحِ
أو أمشي إلى قاع البلدْ
لستُ مِرسالاً لمقهى
في الحديقةِ أو ولَدْ!! 

خالفتُ امرأةً على إيقاعها، ووسِعتُها
وأنا أراقبُ مثلَها في الذاهلينَ
مرارةً لجنونها
أو طفلةً أخرى تمرُّ بلا ولدْ

عنْ ألفِ قصدْ!!
حاولتُ أن ألتفَّ مثل الناسِ
لكنّي ورِثتُ عن القصيدةِ
بعضَ تأبين الأبدْ           
لأظلّ مكشوفاً على فستانها الليليِّ
يا لحنينِ امرأةٍ تعيشُ على الجسدْ!

وخيارُ ذاكرتي الهبوطُ إلى الرصيفِ
إذنْ لأستدعي الرّواةْ
هنا في المخمليِّ الأرضُ لي
ولها سكونُ الذكرياتْ
هنا قرصانُ قريتنا
وزحفُ العالقينَ بِكُمّها
وهنا أنا يا ريحُ، والنايُ، الشتاتُ
ولا أحدْ
نزفَ الهوى من دهشة المعنى
على يدها
ولَمَّ الماءُ عن كَتِفِ الغزالةِ غيمَهُ
فدرجتُ كالبرقِ الغريبِ على تساقطها
الأخيرِ هناك في المقهى
فشمّسني الندى والقمحُ
والأيلُ الذبيحةُ في بساتين القُرى
وعليهِ أظمأني الصدى!
ففركتُ أقدامي إلى قاع البلد!

وهناك مارستُ الشّواءَ
اللحمُ من بلدٍ عتيقْ
والأَرْزُ منْ جبلٍ ترمِّمُهُ الحياةْ
وهناك شيءٌ مُحتملْ
يمشي إلى بستانه المعنى
بيوتٌ عاثراتُ الطرفِ
زادٌ للضيوفِ أمام منزلنا
طوائفُ من رعاةٍ
دولةٌ محكومةٌ لرغيفها
وسيولةٌ للبحرِ، لا يَبَسٌ هنا
ولا بئرٌ ليغرقَ في الصحيفةِ منزلٌ
أو تستوي الأحداثُ في معنى الهجوم
على الدفاعِ
من الدفاعِ يُرى شكلُ الزمانِ
ومربطُ الفرسِ الحرونِ

لغتان لي
لأكونَ منتسباً إلى بيتٍ وعائلةٍ
ومقهى
لغتانِ لي
وأبٌ نأى في الفجرِ
لَمْ يبلغُ من المأوى عِتياً
خالنا شعباً وجيشاً
غير أنّ الأرجوانَ هوَ السندْ
عن غير قصدٍ
صار مولانا العددْ

وهناك ناوشتُ الجداولَ:
من هنا مرّي إلى بيتي الصغيرِ
وجمّلي قلبي لأدركَ سرَّهُ
ولهاثَهُ مع غيمةٍ حَمَلتْ بنفسَجها
وقرّبتِ السطوحَ
وحاوري نَفَسي
هنا في آخرِ الأرضِ التي بيني وبين شعاعها
هرٌّ  يَهرُّ على سيولةِ صدره الأبيضْ
وهناك لا تستنفري الأشجارَ
خلّيها على مَهَلٍ
لينهض في البكاءِ حوارُها مع صاحبي
وهناك مثلي قاربي أو سدّدي
أو سدّدي أو قاربي
ليمرَّ قوسُ الريحِ في مرمى الكمدْ
وبَعَثْتُ للبحرِ انتباهي
قلتُ للإيقاعِ: حدِّدْ جملتي
وأعِرْ قميصيَ للوجوهِ العالقاتِ
برسم مولانا
وللمنفى
البنينَ
لكلِّ مفردةٍ
وللناسِ السكارى
للغيومِ
وللهمومِ
أنا المؤبّدُ في الأبد!

هيَ أسئلةْ
وحرارةٌ في ساحل المشتى
وبين كتابتينِ
سيولةُ العينِ التي بَرَدتْ
فأشعلها الرّمدْ
هيَ رحلتي في الليلِ
تأخذُ من رياش الدّهرِ غزلاناً
إلى التلِّ العليِّ
ومنْ رصاص الوارثينَ لزيّهمْ
ومنْ فوضى الرقائقِ في كهوفِ العزلةِ الأولى
ومنْ سردِ الجهاتِ
وقد لعبنا في المدينةِ
بعض ألعابِ الطفولةِ
جَهْدَ أيامٍ
ولَمْ نسأل عن المعنى الذي حَرَثَ الحياةَ!!
لأننا في الظلِّ نبقى قانعينَ
وقابعينَ على سلالِم ذكرياتِ الأرضِ
منفيينَ من أعصابها
ومن قلقِ الرّماةْ
أنا لستُ مُنحازاً لها
ولا طبالَ امرأةٍ على نهر الحياةْ
أنا لستُ مفتئتاً على سَيْرِ المرايا
لستُ مبنياً على الإعرابِ
أو صرفِ النحاةْ
أنا هكذا
عدمي مرايا
والنساءُ جميعُهُنّ ولدنني
لرقيِّ ذاكرة الصلاة
أنا هكذا
حبرٌ على ورقٍ
بَرَحتُ الشكلَ والإيقاعَ مُستنداً
على نفسي
لأعرفَ أينَ أيامي الخفيضةُ
والعليّةُ في الكبدْ

- صبرٌ على الإطلاقِ
حاورتُ الخيولَ على البطينِ مُنزّهاً
من رمل شارعنا
فأوصاني المددْ
- ماءٌ على رئة الولدْ
ونزوحُ عائلةٍ
ومشتى لانتظار الروح في هذا البَرَدْ
وأنا نسختُ عن القصيدة نسختينِ
لأشتهي حُلُمي
وآخرَ صورةٍ للماءِ
هل مائي رَكَدْ؟!

أنا هكذا
عدمي مرايا
والركونُ إلى المنازل خلوةٌ للناي
والجهةُ القريبةُ من جدار البائسينَ غريبةٌ
والليلُ مِفتاحُ اللجوء إلى الشظايا
وانهيارِ الذاتِ، هلْ مرّوا
فأوقفهمْ سؤاليَ، أم تشظّوا
فانتهى عصرُ الجليدِ
أمام جمرٍ مثقلٍ بالغيم؟!
أنا هكذا
وأعيشُ في لغتي
لأقطعَ للهواءِ سريرةً في الخوفِ
أو أحتلّ ذاكرةً من الماضي لأهدأ
أو أَجرَّ الفيلَ من أُذُنيهِ
هل جرّبتَ ذلكَ
كان لي وتري
وإيقاعي
وميعاد الوتدْ!!

عزفٌ طريدٌ من هواء الخوفِ
أسئلةٌ لميناء الطفولةِ في مقارعة الحياةِ
ولا حليبَ لها
لهذا العالمِ السُّفلي
- لن تترجّلي عني
فلستُ الآنَ ميالاً لهذا العَرْضِ
قالَ أبي: إذا جُبّتْ نساؤكَ
ذات أمرٍ
فاعترضْ
قالتْ لهُ أمّي: دعِ المعنى يُرابطُ في الرصيفِ
هناك حيث العشبُ يَنْشُرُ للضحايا حيْرةَ المبنى
ويُطلِقُ في عراء الصمتِ نيشانَ الأحدْ
ودعِ الصبيَّ
فبابُنا من مرمرٍ
خشبيّةٌ هذي الحكايا
فاستعِدْ من كائناتِ الأرضِ
ما أُلقي عليهِ حمولتي وولادتي
من ألفِ جرحٍ في القصيدةِ
كان لي نَشْر الغوايةِ
قلتُ هذا
فاشترتْ لهُويّتي سبباً
وذاكرةً لغدْ!!

هل كان توصيفي مجازاً
أمْ تباينتِ الجهاتُ
فلَمْ أعُدْ
من عالمي العُلويِّ
أمْ مرّوا على بيتي مساءً، فانكسرتُ
هيَ النهايةُ يا ولدْ!

ولأنني البَشَريُّ في ثوب الملائكةِ
استحمّوا في غنائي
ثمّ أُرجِفتِ المدينةُ
هالَها موتٌ على الطرقاتِ
تسبيحُ الحصى
وهبوطُ جنيٍّ على المعنى
فأوقفني غنائي: ها هنا خيلٌ
وليلكةٌ
وموتٌ ناحلٌ
ريحٌ تصارعُ بعض أوراق الخريفِ
وموطئٌ في آخر الشّقِ القريبِ
لطائرٍ عفرتْ عليهِ الأرضُ أسرارَ الزندْ!!

هيَ رحلةٌ أولى لهذا الخيطِ
حالةُ كوكبٍ ومضيئةٌ أحلامُهُ
والناسُ إنْ رجعوا
توارى الظلُّ في كعبِ المكانِ
مغرورةٌ هذي الحياةُ
وليس لي فيها يدٌ محلولةُ الأطرافِ
مفتاحٌ لجنّتها
ولا قوس قزحْ

هيَ رحلة الفوضى
لأصل الماءِ في تكويرِ جُثَّتنا
ومأوى للشريدِ
لكلِّ خمرٍ في القدحْ

 هي جُثَّةٌ مكفولةٌ لرصاصها
والناسُ مثلي يا غلابا
عَمَّروا عشرينَ عاماً في مناكفةِ الفرحْ
وأنا تعبتُ
أجلْ تعبتُ
قصيدتي أنثى تجاري نهرها
وصحيفةُ الصمتِ الأخيرةُ تشتري كثبانها
عِللاً على مجرى الزمانِ!!

وأعودُ للفنجانِ
أقرأُ حاجةَ الوقتِ المبللِ
مثل أيّ غوايةٍ للرسمِ
أنفرُ من تقاطعِ صفحةٍ بيضاءَ
في قعرِ المساءِ
معَ الجنودِ النافرينَ على حدودِ البيتِ
مع آمالِ أرملةٍ تخطّى حُلْمَها وعدٌ
ومع نَفَرٍ قليلٍ غادرَ الصحراءَ
فانقلبت أفاعيَ
ثمّ وانقلبتْ زبدْ!!

وبُعِثتُ أنشُرُ في الكتابةِ
قمعَ تكويرِ الحروفِ على هواها
غيرَ أنّي أوجزُ المعنى
ليستندَ الفتى في لعبةِ التمييزِ
بين القاتِ والخمر الصبوحِ
وبين طفلتهِ التي يهوى
وبين ظنونهِ الأولى
وقدْ زمّ الحياةَ على لهاث الدربِ
مستلباً رياشَ الكونِ
مشغولاً بربطِ الريح مع هذا اللحاءِ
وموغلاً بدمِ تعافى إذ تطهّرَ مِنْ رَبَدْ

وبُعثتُ ميّالاً إلى أنثى
المكانُ مؤنّثٌ
والنبعُ يُوْرِدُ منْ وَرَدْ!
ونحتُّ أشيائي ينابيعَ احترازاً في المساءِ
لأطفئ غابةَ الأطفالِ
مكّنتُ الصدى من لوثة الوادي
فهبْني يا ندى روحي
وقوفاً أستعيدُ نشاطَ صخرتنا
وألقي حِمْلَها
وأنا المدلّلُ هل أعود إلى بطينِ الأرضِ
أمْ أُرخي ستائر غيمتي سيزيفُ
أم أعدو إلى ربحٍ نفدْ؟!

جسدٌ يُمارى في جسدْ
والروحُ كُمّثرى
حوارُ النّفْسِ للأسماءِ
أشياعٌ لبعض صفاتها
والجسرُ غطَّ على الهددْ!

مكثوا كملحِ العينِ في صيفٍ شتائيٍّ
تدلّى من سماءٍ أسعفوها بالربيعِ
وعايشوا أوراقها في لعبة التأنيثِ
والتذكيرِ
أمْ ربحوا تجارتهمْ
وهمْ يمشونَ للعيرِ؟!
استعيدوا بعض قمصاني
فقدْ أولانيَ الزمنُ الجديدُ حبورَ
هذي العينِ
واستشرى على ثوبِ النساء
فخالَهُ الإيقاعُ في الرؤيا أسدْ!

ما ظلّ في متنِ الحوارِ
رِباطُ نهرٍ حاز عنْ موجِ القصيدةِ
أمرَهُ وبيانهُ
والآنَ نحو الآنَ من أبنائهِ المرضى
بُليْنا بالشحوبِ
وبابُنا ورقٌ على طفطافهِ
من طينةٍ رَشَقَ الكسيحُ ترابها
والماءُ في المزرابِ شذّ عن الغيومِ
فرقَّ طيرُ الحالمينَ، وطارَ
فاستعصى على النسيانِ
أمرُ بنانهِ الرؤيا وأجنحةُ الرّغَدْ!

وشاهِدٍ وما شَهَدْ
هل أفرجوا عنّي
وهل قرءوا كتابيَ
هل تواصوْا بالرّهانِ
أنا الذي انحرفتْ أيائِلُهُ إلى أوطانها فتشرّدتْ
أمْ أنّهمْ سرقوا كتابيَ
والحروفُ تعلّقتْ بالمهدِ
أمْ أنّ اللَّحَدْ
إيقاعُ سيّدةٍ تكشّفَ لَحْمُها
والأبيضُ المنسوجُ من صمتي رقى أضلاعَه
أمْ أنّ فيَّ جسارةٌ ملأى
بميزانِ الصّمدْ؟!

أحدٌ
أحدْ
وصفاتُهُ في العظم تكسوها الغيوبُ
صفاتُهُ إنسيةٌ
جنيّةٌ
مجبولةٌ بمهادها الملكيِّ
والقرويّ
والبدويّ
والمدنيّ
والرؤيا التشابُهُ في اشتباك الظاهرِ
المرهونِ بالمعنى وباطنهِ المعتّقِ
في مضارعةِ الرَّشَدْ!!

أصفاهمُ ولدٌ وَرَدْ
أصفاهمُ ولدٌ تدلى من سماء الغيبِ
إيقاعاً
تحسَّسَ فانفردْ

أصفاهمُ هذا الجسدْ
طينٌ يعيشُ مع الحقيقةِ في نسيج ثيابهِ
روحٌ يعاقرُها فيعقِدُ ما عَقَدْ!

أصفاهمُ هذا الولد!
نبضٌ يقيسُ الفرقَ بين الحذفِ
والسبب الخفيفِ
وعِلّة التدويرِ
والماءِ النميرِ إذا نَهَدْ!

أصفاهمُ هذا المسمّى يا حبيبي
ألف إسمٍ
رابضٌ
أو دافقٌ
أو فارضٌ
أو عاتقٌ
أو كاتمٌ للصوتِ في خللِ المرايا
عاقدٌ أو سابحٌ في كمّهِ الدنيا
وفي أصلِ العطايا طاردٌ للجنِّ
يَسْرُدُ ما سَرَدْ!

أصفاهمُ هذا المسمّى يا حبيبي
ألف إسمٍ
لاجئٌ
أو نازحٌ
أو عائدٌ شَهِدوا عليه إليهِ
مرّوا متعبينَ إلى الديارِ تقاطروا أمماً
ولستُ الآنَ ميالاً 
لأعقدَ أيّ حبلٍ من مسدْ!!

أصفاهمُ هذا الولدْ
عنْ غيرِ قصدٍ
قال يحتفلُ الحبيبُ مع الحبيبِ
ومنْ رأى منكمْ على بابِ الكهولةِ وردةً
فلينتصرْ للناي
أو لسيولةِ الموتى إذا انطفأَ الجسدْ!!

أصفاهمُ
أنّي أعالجُ سروتينِ على حواشي النصّ
أُهديها لكمْ
ولكلّ إيقاع من الفوضى بَرَدْ!!

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x