كلام موسمي


قالت الوسطى:
إذا جاءَ المعلِّمُ
فاحذري الإيقاعَ في الساحاتِ
في غرف الحياةِ
ورتِّبي الثوبَ
انظري للريحِ لا تتكلّمي

قالت الكبرى: سلامٌ للنوافذِ
هل أتى حينٌ على الإنسانِ
لَمْ تتغيّرِ الكلماتُ في قاموسهِ
فمضى إلى حيث الغريبةِ تنطوي
في كُوَّة المُتظلِّمِ
قالت الصغرى:
أنا بنتُ البيوتِ أديرُ للمعنى
شقاوة معصمي

قال شاعرنا:
أنا صقلُ المسافةِ
يُفْرَقُ المبنى على طيِّ السلالةِ
كيف أختارُ البنفسجَ
في الضحى منْ صورةٍ لَمْ تُلْهَمِ

قالت الأخرى:
أنا من طلقةٍ لَمْ تُكتمِ

هنا في مِفْرَقِ الزمنِ الغرورِ 
عَلِقْتُ بالبلد الذي لفحَ الجنوبُ ظلالهُ
ومكثتُ بين الموتِ والذكرى
وقلتُ لشجرة التفّاحِ
ما من حارةٍ فقدتْ ظلالَ الأرضِ
 دوّرتِ الجهاتَ على الجهاتِ
 ونكّستْ أبناءها بدداً على أبدٍ 
ونامتْ في دمي

أوْهيتُ شكلَ السندسِ العربيِّ
قلتُ لسادنِ الكلماتِ: كُنْ جسداً
على لغةٍ
ولا تنظرْ بحاضرِ موتِكَ الأبديِّ  
صورةَ من تعلّقَ في ضباب الأنجمِ
واختر لواحدةٍ كلامكَ
وانتبهْ...،
هذا كلامٌ موسمي

قالت الصغرى:
أنا روحُ النهارِ 
وروحُ طيرٍ قصَّ عن أثرٍ جناحَ الأرضِ 
واستوصى لعطرِ القادمينَ من البنفسجِ
جرَّةً ملأى بخمرِ الشعرِ...،
ملأى بالأساطيرِ الجديدةِ
في فضاءِ النصِّ...،
ملأى باللقاء المُلْهِمِ

ويا بنتَ البيوتِ شَغَلْتِني
عن عالَمٍ مُتلثِّمِ
وَشَغَلْتِني عن رقعةٍ بيضاءَ 
عن سرداب أيامي 
وعن اسمي
وعن طينٍ تبرقعَ في سرايا مخيّمي
أنتِ التي نهضتْ وأحياها فمي
نهضتْ من البيتِ المُعتَّقِ
من جنوحِ الناي في ليلِ الغريبِ  
ومن مرايا كنتُ قد علَّقتها وتراً
على عود الصباحِ
وكنتُ قد أعددتُها حِرْزاً
لأجل تيتُّمي

وركضتُ
فيما كان سيْلُ الأرجوانِ يمرُّ من حقلي
ومن فوضى التواريخِ الجديدةِ
كنتُ قد أسلفتُ في بعض القصائدِ
أنَّ فوضى الأرضِ يلجمها الحنينُ
ألا اعلمي
أنّي تزيَّنتُ الحنينَ بأرضِ ما لفحَ الزمانُ جنودَهُ
وتركتُ في قصر الكتابةِ مِنْجَمي

هدوءاً قالت الصغرى
وقد لفحَ الحنينُ الغصنَ
واندفعتْ إلى ظلِّ الفراشةِ
كي تمارسَ حِرْزَها
فدنوتُ منها 
واندفعتُ إلى المساءِ المُلْهِمِ
أرقى إلى سنواتها العشرينَ
مبتدعاً قناديلَ
التفتُّ إلى ضياء الموتِ
كم جزعتْ يدي من شارةٍ
وركضتُ نحوكِ
كم ركضتُ
وكم ظمئتُ
وكم تزيَّنا هناكَ على سياجِ السُّور
أخضرَ
وانشغالاً باللهاثِ
توطّنَ الأستاذُ في فِعْلٍ عَمي

دارتْ بنا الدنيا
وقيلَ زماننا غير الزمانِ
فقالت الكبرى: أنا بنتُ الخيالِ
وما انسحبتُ إلى الندمْ
وقالت الوسطى: أنا وجهُ العدمْ
ما عاد يشغلنا هدوءُ البحر
فانسحبتْ إلى دمِها الصغيرةُ، وانسحبتُ
وقد رأيتُ البحرَ مكتوفَ اليدينِ
يدندنُ المعنى
وعن أمواجهِ قال المعلِّمُ:
قد رأيتُ سياحةً في دفتر التاريخِ
تنبشُ عن نقوشِ الشعرِ
في بحرٍ الألَمْ



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x