والأناةُ صدى


بدمعتينِ
وقفتُ مُنْفَرِداً على كأسي
فأنجبتُ السكارى
والتحفتُ الطينَ

هل ينوي أبي قتلي
ولا أستلّ منْ نفسي مِدادَ البوحِ
لا أُطوى كأرضِ الله
في ليلِ القصيدةِ
أو أعود إلى يديهِ مباركاً
منْ ضفةٍ أخرى
لأختزل انحباسَ الشوقِ
في أنغامهِ مددا
قلبي جوازي
والأناةُ سُدى

ولي رياحٌ تُشترى
في وقعة الحربِ الأخيرةِ
صادني عَرَقٌ هنا في باب كهف الكائناتِ
فقلتُ أتبعُ سرَّ طائرتي
من البوح القديمِ
وأتبعُ السببَ المغايرَ للندى
وأبيعها مِنْ حَمْأةٍ بَدَدَا
علّمتُ راحلتي
وكنتُ مُقيّدا

أمي على طرقاتِ خيلي
نبّأتْ بولادةٍ رعويةٍ
وأنا كذلك في الضحى
وجّهتُ كأسي باتجاهِ الناي
لا حزني أميرٌ
لا وصيف دمي يُخاتلُ شأنَهُ
ولهُ هنا في النائباتِ صدى
وبالنارنجِ
بالنورِ المُسبِّحِ فوق حصنِ الخوفِ
لكنّي فقدتُ المنتدى!

لنهايةٍ معصوبةِ الكفينِ
تخطرُ خِلسةً روحي
وتخطرُ
هل أنا لأنا القتيلةِ أشتهي خببي
وأركضُ في ثرى نسبي
لأعلنَ طلقةً أُولى
تمرُّ كملحِ هذا الوجهِ
لو تصفو
لهُ النيرانُ مُلتحدا
لنهايةٍ معصوبةِ الكفينِ
أحفرُ منْ أخاديدِ اللقى بيتاً
وأفتحُ سيرةً للماءِ
كان الماءُ منفيّاً من الطابورِ
لَمْ يرقصْ لهُ غيمٌ
ولَمْ تفتح شفاهي دولة العطشانِ
ما كان الفتى يغفو على عشبٍ
ترقِّقهُ الكتابةُ
لَمْ أجدْ في جسمهِ غَيَدا

يبكي
فأطرِفُ حاجباً للضوء
يا ملكَ الغِوايةِ هل جَرى
في مقلتيكَ دمي
فما أنِستْ لهُ الغاياتُ ما عَقَدا؟!
قلبي جوازي
والأناة صدى
في أوّل الممشى
تمكّنَ صاحبي من لحيتي
ففردتُ أشيائي على ثوبِ الحقيقةِ
علَّ أزراري تخيطُ العزفَ منْ شرفاتها
نحو القبائلِ حِجّةً رَشَدا

باءَ انتظاري بالسكونِ
وباءَ ظلي بانكسار الشمسِ
سرّبني إلى الساحاتِ أكثر حيرةً
فهَرِمتُ
قلتُ أصافحُ الخيلاءَ
أو أبري لها جسدا
لأرى من القصبِ المرقّشِ في المرايا
بعضَ راياتي
وأحملها أمام الوردِ
مُتّجهاً بها نحو اعتلال الطينِ
إذ أغدو إلى أبياتها ولداً
يُهادي نفَسَهُ جَلَدا
قلبي جوازي
والأناة ندى

في آخر الممشى عيونُ لَمْ تزلْ حيرى
وقد ضَرَبَ المديحُ على
رموش الليلِ ما وَجَدا

هيلي على قلبي
نبيذَ الطاعنينَ بأرضهمْ
وتقدّمي
ليفوحَ عطرُ الطيرِ من ملكوتها
ويئنّ لو فُصحى حروفي
أطلقتْ قمراً على علّاتهِ
لينامَ جمرُ البوحِ مُتَّقِدا

هيلي
فما إيماءةُ المعنى هنا
ما قال تفاحُ الحديقةِ عن يدي العليا
إذا بسطتْ جراحاً في مكانٍ خانَ أضلاعي
وأنزلها كمرجانٍ تعدّى حُمرةً في الصدرِ
أو غاباتهِ سَرَدا

لا شيءَ ينقصُ سلّتي
تفّاحها طازجْ
وثقوبُها رئةٌ على باب الهواءِ
وسرّها ناضجْ
لا شيءَ ينقصُ حيرةَ الألبابِ
ما مِنْ دولةٍ في الحربِ
ما مِنْ داخلٍ خارجْ
فالمح رسالاتي
أتى جسدي إلى بيتِ القصيدةِ
قلتُ يا فتّاحُ: ما مِنْ صورةٍ في الموتِ
تقشعُ حيرتي أبداً
ولا حبرٌ يغادرُ رقصة الغدرانِ
هل جازيتني بدمي
فجُبتُ الريحَ مُعتداً بعكّاز الطريقِ
نهلتُ منها بعضَ ما فيها
ولَمْ أدفعْ سواقيها
فقد جازيتُها مددا

آليتُ ترشيدَ الدلالةِ
فانكشفتُ
تورّط المعنى بأكثر ما نبهتُ من الغيوبِ
غموضُ هذا الحرفِ أرشدني إلى نفْسي
فهبْ يا كأسُ
أني قد نفختُ الظلَّ في القنديلِ
هل يبقى سؤالي واقفاً
في لمعة القوسِ التي كَرَجتْ هنالك
ساعداً
ويدا؟!
طال ابتكارُ الحرفِ
مِنْ فحِّ  الفخاخِ
ومنْ تساقطِ شعرتينِ على بيادر حارتي وجنونها
إذ يرتقي الأطفالُ مع رفِّ الحمامِ
وينشدونَ عصائبَ الفرحِ انتصاراً للولادةِ
هذه بنتٌ وتحيا في الجمالِ
يزورها ولدُ
ويقرأُ سورةَ التفّاحِ
يلمسُ نفْسَهُ كَمَدا

طافتْ حواريهِ
ونامتْ
كيف نامتْ
وهوَ لَمْ يجلبْ لها من ريقهِ رغدا

بَدَدُ القبائلِ أنّ صعلوكاً
يؤانسُ في الردى أسدا
بدمعتينِ
وقفتُ مُنْفَرِدا على كأسٍ حليبيِّ المذاقِ
وما استقامَ
وعاد لي منْ قاعِ بئرٍ
لَمْ أنلْ منها يدا

ولقد بدا سَفَري بجانبِ قهوةِ
لا يُشبهُ الموتى
فعدتُ كجندِ هذي الحربِ
لا أبغي لها عددا
وبدا خروجي عن مقارعةِ الطيور
كحاجةِ الفقراءِ
هُمْ مرّوا عليَّ
فنصّني حزني
لأجلدَ ناقتي
لا لونَ لي
فأنا المغنّي
لحنُ ذاكرتي فضاءٌ مرمريُّ الوجهِ
أيامي كأيام الذي عبرَ السؤالَ
فخابَ ظنُّ الناسِ
كم وافى
وكم سجدا؟!!

فاضتْ ذيول البحر بالموج القتيلِ
كأرجوانِ ضائعِ في ساحةِ القرّاءِ
مسّدني عواءُ الذئبِ
لَمْ أنشدْ بهِ سَنَدا

طيري مُفخّخةٌ
ويا أرضي معي 
ما يُشبهُ الولدانَ _إذْ ورِثوا حوانيتاً مُكسّرةً
وجسراً قابلاً للموتِ_،
كُنْ يا موتُ
للأيلِ البعيدةِ حارساً
واذبح طفولتها غدا

ومعي زبانيةٌ
وقلبٌ عالقٌ بثيابها ودمٌ
وأرضٌ تخرجُ الحيواتُ من أسرارها
ومعي شهودٌ من حقول القمحِ
كُمّثرى يعافُ رفيقُها المَسَدا
ومعي زبانيةٌ، ويختصمونَ في ريشٍ
تطاير في السّما فَنَدا

لي غِلظةُ الأثداء في قمصانها  
إذ ترعوي عن جلبةٍ نَكَدا

نقشٌ يفيقُ من الضّحى
ويئنُّ لو أندى لهُ موجي هنا زبدا

بوحٌ لطائرةٍ من الورق المُعطّلِ بالطفولةِ
مثل جذعٍ حطَّ في إرثِ القبائلِ
واستردَّ لسانها التاريخُ
مرَّ على سريري فاتحاً رأسي
لأوّلِ مرّةٍ ألقى دمي مُتتبّعاً لغتي
ويتبعُ في الثرى سبباً
كمنْ في نعشهِ وُلِدا


لا شيءَ يذكرني
أنا المِفتاحُ
والفلّاحُ
وابنُ الناي
والإيقاعُ
فائضُ حاجتي لغةٌ تبوءُ بِحملها
فأرى مدائنَ في رحاب العنكبوتِ
تكزُّ خيطَ النارِ عن جسدٍ
إذا عاجلتهُ رشدا
لا شيءَ يذكرني
أنا الرأسُ المباركُ
والمسالِكُ تقتفي بوحي
فأعرِضُ عن تجلمدها
إذا نامَ النهارُ وحلَّ في أكمامهِ وغدا

لا شيءَ يذكرني
أنا الجسدُ الذي يفنى على بابِ القصيدةٍ
غامضاً أحدا

لا شيءَ إذ أَجِدُ النّوى
في حبّة الميلادِ تكرجُ في رياحي سُنّةً
وندى

بوحي أنا المهووسُ بالحنّاءِ
لا قلقي
ولا لغتي جوابُ المُبتدا
بل وِسْعُ ذاكرةٍ لَمَحتُ بطينها
ما يرقمُ الماضي الذي يمضي إلى غدهِ
وإنْ صعدتْ ديوكُ المُفرداتِ سُدى

الله من طُرُقي
أنا قلقي
سماءٌ شيّدتها الكائناتُ
وآنستْها الحربُ في زمن اللجوءِ
وكنتُ لا أمشي إلى القاموسِ
كانَ الزّيتُ مِشواري إلى غرقي
وكانَ حصير أقراني تراباً
كانَ طينُ البيتِ أعلاماً أرتّبها
على ورقي
وكنتُ أصوغُ مِقثاتي من الأوجاعِ مُتّئدا

الله منْ حَرَمِ الوجودِ
نذرتُ ما في جُبتي حيّاً
لأشهدَ مولِدي ما بين عصفورٍ قفا
متأثِراً بجراحهِ
قُمْ والتمسْ ظنّي
فقد آنستُ أعمامي على قَبَسٍ
يُعدّونَ الولائمَ
جُملتي تفنى
إذا مزمارُهُ خَلَدا

هذي المدينةُ زُخرُفٌ في لوحة الفنانِ
في تقنيبِ سلسلة الجبالِ
وفي تناسخِ جملةٍ لسعتْ فضاءَ اللونِ
عند عشيةِ السّمر المزوّقِ
واختفتْ
وأظنّها صبرتْ على قلبي وما وَرَدا
قلبي جوازي
والذي بَرَقَ المدى
أعطيتُهُ ما يُلهِبُ الزّندا
في سيرة العطشِ التفتُّ إلى غيومي
أيها الماضونَ في جسدي
لَكُمْ من ساحلي
قَصْفُ الرمالِ على سريرةِ عاشقٍ
خَلَفَ الصلاةَ على يديهِ منَ الرّياشِ
وظلَّ يَضحى في دمي
يبكي
ويضحكُ
ثمَّ يبكي كلَّ ما انفردا

وأنا فمي ميلادُ جرحٍ
عاد من غزواتهِ أسدا



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x