رقّقهُ البرقُ فأبرقَ لي



             إلى مُهند ساري

          -1- 
هاتفني قبل الفجرِ بعشر دقائقَ
قبل رحيلي عن دائرةِ الفوضى
فارتجَّ الإيقاعُ
ومال إلى العتمةِ
يمسح ماء العتمة عن عين الحلمِ
وما نهضتْ جدرانُ البيتِ
إلى ذلك خفَّ دمي
واستشعرَ شيئاً بُنّيّاً في المرآةِ
فقلتُ لعلّ الصّبحَ
ومن صلّاه!!!
يبزغُ من نافذةِ الهاتفِ
فارتجفَ الطائرُ
دوريّاً كان
وكان الصدقُ ينقِّطُ في الميزانِ
فقلتُ: لعلّكَ تقرأُ عن رحلتنا بالأمسِ
فقال: أنا طيرُ الشعرِ 
ومن ولاّه!!

هاتفني إذ مرَّ كماء الحلمِ 
فقلتُ: لعلَّ المرآةْ!!
تعكسُ ضلعي عن ضلعٍ معوجٍّ 
وتقامر بالملهاةْ
فوصلتُ إلى أوّلِ فجرٍ  شقَّ الماءُ جيوبي 
وأنا عطشانْ
قلتُ: لعلَّ يدي بعضُ كمائنها فخٌ لي
يدُها شهوةُ تفّاحٍ لي
ولها أن تحمرَّ كما المرجان!!
فانكسرَ السّقفُ عليَّ
تهدّمَ أقصدُ
فضّ سمائي عن غيمتها
ودعاني للممحاة!


          -2-
ندهتْ باسمي امرأةٌ
في الليلِ تسربلَ فيها الجانْ
- فانتفضتْ قريتنا
وانتصر الشِّعرُ على النارنجْ
حملتني أمّي تحت عباءتها 
ومضتْ تستحلفُ حكمتَهُ
في الإنسانْ
أن يحفظني من عينِ الجانْ-
ودعاها للحاناتِ
فقلتُ: هيَ الفوضى
والسّيْرُ على المخلاةْ
          -3-
يُمْحى ولدٌ مثلي
لو رقصَ الحبلُ على الغاربْ
ولدٌ مثلي يحفظُ سبعَ سنينَ من المعنى
حَجَرٌ رقَّقهُ البرقُ فأبرق لي
يخرجُ من ضلعِ الناي
فأُرْزَقُ
بالأزرقِ 
يمتلئُ الوجهُ حنيناً حين أحاولُ مُلكاً
وأعالجُ نفْسَكَ،...   نفْسي
ما أشهى أن تتقوّسَ عن ضلعي امرأةٌ
هذا ولدٌ مثلي
وأنا بابُ يديهِ
أصلّي لأكونَ رؤاهْ!

رقَّقَ سرِّي بكلامٍ تصفو في الليلِ أنوثتُهُ
وأنوثة معنى المعنى
أن تتأبّد في المعنى صلةٌ بالواقعِ
أن يُكسرَ نابُ السين
وأن يُهْجَرَ قلبُ الأبديةِ
لا بابٌ للأبديةِ يُمحى
ولهُ في أبديّةِ هذا القلبِ الساحرِ
سعترهُ وصباه!!

الأبديُّ سماءٌ تتحرّى الهمزةَ في الوصْلِ 
فأُوْصِلُها 
وأنامُ قليلا 
وأقدِّمُ كفّي

الملعبُ ثوبُ ترابٍ كان أبي
يقرأُ في صفحتهِ قَدَمي
لأظلَّ بعيداً عن مرمى الشعراءْ
وأنامُ قليلا
تُحْبَسُ في أنفاسي أنثى الريحِ 
فألغو بالصمتِ
وأنجو من صقر الموتِ
وأندهُ باسمكَ يا نفْسي
يَعمرُ نفْسي شِعرُكَ
أتحرّى أنفاسَكَ فجراً
لأعيشَ طويلا
فيرُدُّ مجازُكُ كأسي عن رغوتهِ
حَجُر النردِ إذا أبرقتَ شهيدَ كنايتهِ
والناي

ليس سواكَ يعيدُ مجازي من دمعتهِ
أو هَرَمي من رحلتهِ
ورقي من قمحِ مجازي
ونَداكَ نَداي

أندهُ باسمكَ
كي نبصرَ ضلعَ امرأةٍ أسفلَ هذا الماءْ
وكذلكَ نُبصرُ عيناً ثالثةً لرضا الشِّعرِ
ولا شاعرَ ينجو بعدكَ
قرِّبني
أنتَ أنا
وأنا أنتَ
كلانا كان رفيقَ البدوِ
لسانُ الحكمةِ
طيرٌ شقَّ عليهِ الطيرانُ
وتاه!!

          -4-
وذهبتُ إلى باديةِ الشعرِ 
رأيتُ بلاداً نافرةً
وسلاحاً مثل الريشِ على باب الخيمةِ
قلبَ غزالٍ يشردُ من ضلع امرأةٍ
قلتُ أباركُهُ
فنعى أسباب وجوديَ في الصحراءِ
صعدتُ إلى سارية الريحِ
وجدتُ نساءً تندبُ رجلاً عطشانْ
ورأيتُ الجانْ
قلتُ أصالحهُ
وأفوزُ بآخرِ قطرة ماءٍ في الطوفانْ
فهبطتُ لأنزلَ في ناي كلامِكَ 
حتّى تربط قلبي بمجازكَ 
تستر كأسي عن إيقاد الخمرِ 
لأنزلَ في كرمِكَ 
أعتصرُ لذيذَ اللونِ 
وأمشي في حقلِكَ
ثمَّ أعودُ إلى لوني 
أتوكأُ في الفجرِ عصاه!

          -5-
ومعاً نُشْرِقُ بالحدْسِ
معاً نشطبُ ما يَكْتبُ هذا النسيانُ على اللوحِ
معاً 
ونطيرُ إلى أعلى
أعلى من ريحٍ صافيةٍ 
نبتكرُ نهاراً من فضّتنا 
ونسوّي صفصافاً لملائكةٍ قوّامينَ 
ولا ينأونَ عن المعنى 
ونسوّي المبنى مُدناً خالدةً
وقصوراً للأوابينَ إلى البحرِ 
ونقطعُ مِيلاً في الحلمِ
ولا أثرٌ لسوانا في ذَكْرَنةِ الشعرِ 
وتأنيثِ خطاهْ
نحنُ القوامونَ على أنثاه!

          -6-
كان كثيراً ينأى
الماءُ كذلك ينأى
والعمرُ كذلكَ
قلتَ: أضف للعمرِ قلادة أمِّكَ
تخرج من سكراتِ الموتِ
فقلتُ: أنا مثلُكَ ملمومٌ
معلومٌ في تشييعِ الريحِ إلى مأوى الأوابينَ
فقلتَ: أضفْ حَجَراً لبنائكَ
قلتُ: مَجازُكَ أكبرْ
أندهُ باسمِ حديقةِ أمِّكَ: كنْ لي
كان كثيراً ينأى
وأنا أنأى ... وسوى ظلّي ظلّي
وعيونِ النبعِ شربتُ
فأشرقَ كلّي

في نفْسكَ ما نقصَ الزمنُ
ولا  نقصَ حليبُ النّهدِ
وما ألقى الغيمُ قليلي
في نفْسكَ طيرُ دليلي
هَدْهَدني
أخْبَرَني
أنَّ يديكَ تَجُزّانِ العشبَ
لينبتَ ثانيةً كمّثرى
أخْبَرَني عن وجهِ سماءٍ يرصدُ معنى الصوفيِّ
إذا وقف النارنجُ أمام السُّورِ
ليهبطَ في مرآة النورْ
ويصيرَ كلامي في بابِ مجازِكَ
ريشِ مجازكَ رؤيا
ويصيرُ كلاميَ بدءاً من شمسِكَ
إذ تتحرّى شمسيَ ممحاةً
ودواةْ!!

          -7-
في الرؤيا حَجَرٌ ما
وأُحكِّكُ
قلتُ: أُحكِّكُ منزلهُ في السّطرِ الأوّلِ
قالَ صديقي: في خاتمة البيتِ
فقلتُ: إذنْ أتسلّى
قالَ: معاً نتسلّى بالتشذيبِ
ولا ريبَ 
نكون معاً 
حتى في تأنيث الصبرِ ونصبرُ
قالَ: صديقي الأسمرُ
مَهلَكَ
خذْ من لغتي دبُّوس الدهشةِ
خُذْ موئلَ ريحي وتقدّمْ
قلتُ: سأُطلِقُ عصفورينَ على الماءِ
وأمشي فوق الماءِ، لأعلمَ
كيف يراوغُ نفْسي وترُ الضوءِ 
وكيفَ أنامُ على لغةٍ تتوضأْ 
ثمَّ أراوغُ في الفجرِ مجازَ الشعرِ 
وأعبرُ في النايِ
ولا أبديةَ لي 
لا ثقبَ لجدرانِ الشمسِ 
ولا حَجَرٌ يصبأ
فتنبّأ
يا صاحِ بمولدِ أمّي
وبمولِدِ شارعنا المُكتظِّ بأحذيةٍ
ومشاةْ

        -8-
الله
الله
الله
نَفَرَ القلبُ إلى مولاه
نَفَرَ السّجانُ إلى القاضي
والقاضي يعتدُّ بلكنتهِ 
ويقولُ بما معناه!!

خرجَ الاثنانِ من القاعةِ
فارتجَّ الناسُ وماتوا
انتبهوا
فتورّدتِ الريحُ على لغة السّحرةْ
لتضاء الشّجرةْ
خرجَ الاثنانِ من الشجرةْ
وأباحا سَفْكَ دمِ الغزلانْ
ليضاء المِسكُ على قمرٍ وصلاةْ 
والناسُ حيارى في الشارعِ كانوا
_" قُدَّ الشارعُ من ضلعٍ وحياةْ "_،
يلتجئونَ إلى النومِ
يغنّي كلٌّ ليلاه!!

الله
الله
ما يفعلُ هذا الجِنُّ بذاكرتي
ما يفعلُ بالحُمُّصِ
والسُّكَّرُ في الأبديةِ يمشي...،
ويذوبْ
ما يفعلُ هذا العاشقُ بالشعرِ...،
وكيف يتوبْ
كم يدفعُ بي وأنا مصلوبٌ نحوكَ
والليلُ طويلٌ
كم أنتَ كثيرٌ
وأنا في السرِّ قليلْ؟!

الله
الله
يا صاحِ إذا عَرِقَتْ كفّاكَ أعنّي
وأدِمْ أسراري
أدفعُ نحوكَ بي
أدفعُ بالشعرِ إلى ميزان الماءِ
أهدهِدُ قلبي
يا قلبُ أعنِّي في سكراتِ الموتِ
على تصفيح الماءِ
فقد أزِفَ المطلوبْ
الحبُّ هو المطلوب
والشعرُ هو المطلوب

ذنبي أني في الميزانِ قليلُ الحظِّ
ولا أرقبُ جِنّياً وهو يمارسُ شهوتهُ
خلف ظلالِ الصمتِ
ولا أرقبُ ناياً مثقوبْ

الله
الله
لا غالبَ في النردِ
ولا مغلوبْ
فادفع بي نحوكَ
وارقبْ حنجرتي
وأقمْ لي...
قالَ: إذنْ خُذْ نصفَ مجازي
ومجازِكَ
واخلطْ حرفينِ بماء الوردِ
وعشْ طرباً فيما تهواه!!

الله
الله
الكوثرُ بابُ الروحِ
ضياءُ الحيرةِ
فاشربْ من لدُنِ النهدِ
ودعْ حيرتَكَ الأبديةِ في الغيبِ
وما أملآه!!

العاشقُ يُملي
والمجنونُ كذلكَ والسكرانْ
وأنا عطشانْ
لي فائضُ أحوالي
ومقامي في البرهانْ
والبنتُ كذلك تُملي
والسيّدُ يُملي
والجيرانْ
والحنطةُ قوسي في الرقصِ على الجدرانْ
وأنا أذوي
يذوي نحلٌ
ويطِنُّ على القمصانْ
في اللحظةِ تعبرُ ذاكرتي سيّدتانْ
تغتسلانِ بماء الوردِ، ولا تحتسيانْ
شاياً بالنّعناعِ، ولا تقتربانْ
من قلقي حين أغيمُ
وحينَ أسوِّرُ جنّتها بيدي
والأخرى بالنسيانْ
أو حين أردُّ لها شالاً أبيضْ
وأنا أركضُ
أركضُ
أركضْ
وأداوي الغيبةَ بالأفواه!!
         -9-
تتّخِذُ الرؤيا رئةً وتفيضُ
ولها أن تجْهَدَ كي أنجو من آثار السُّور
وأنْ أنجو من أثرِ لمريضْ
الحبُّ مرض
والشعرُ مرض
بينهما يسكنُ قلبي
والحارسُ قلبي
واللصُّ العابرُ خطَّ يقيني
قال الشجرُ الأخضرُ قلبي
- سُسْ قلبي
- سُسْ ريش يمامٍ
- سُسْ زمناً قُدَّ من الميناء وولّى
العالمُ أحلى
أنْ تشبكَ يمناكَ بيمناه
وأنرْ تفّاحاً لهوايْ...،
وامنحْ خصلةَ أمّي شيئاً معقوداً
في صحنِ الزيتْ
وامنحْ آخرتي الآن يقينَ الوقتْ
ليعودَ بريئاً قلبي من رحلتهِ
أو يسردَ ما خبّأهُ الموتْ
واتركْ ما شئتَ صديقي!!!
غيمةَ أمِّكَ
أمّي
صحوةَ ظلكَ في التوقيتِ
وظلي
نبراسَ الشارعِ
مأثرة العالَمِ إذ تتفتّحُ عن جبلينْ
طابور النحلِ على نهدينِ
وقل لي إنْ ضاقَ عليَّ المعنى
كيف أعودُ إلى امرأةٍ
خسرتْ نصفاً من أزرار قميصي
كيف أعود إلى جملةِ ريحٍ أغواها الحبُّ
فقامتْ من مرضٍ
ويشيخُ الضوءُ على أرضٍ الحيرةِ
قلْ لي من أعطاكَ
ومن أعطاني سحر الشعرِ
لنعرجَ في آخرِ لوحٍ في الملكوتِ معاً؟!!

نفْسكَ
نفْسي
في الفجرِ يضخّانِ حليباً:
من رقّقَ نهدَ الشعرِ
ومن أغواهْ!!

أغواهُ الحبُّ
فمن لقصيدةِ هذا المُتخيَّلِ غيرُكَ
من غيرُكَ يكشفُ عن جملة أسمائي؟
من غيرُكَ يرفِقُ بالصورةِ في النصِّ
يسنُّ النهرينَ بقلبي
ويراني
وأراه
من غيرُكَ يشفعُ لي
من يشفعُ للحبِّ إذا ولاهُ
كنايتَهُ ورضاه؟!
من غيرُكَ يشفعُ لي
من غيرُكَ
من أتناهى فيهِ؟!
ولي في كلِّ مدينةِ أشجار الليمونِ
ندًى يتشعّبُ أغصان دمي
ونَداهْ !!!

أغواهُ الحبُّ
ودندنَ سبعَ سنينَ على كوكبهِ
سبعَ قوافٍ في الطينِ مملّحةً في الموتِ
وقافيةً أخرى تتنفّسُ
تخطّفُ طيناً للشمسِ
وتحيي الكائنَ في منفاه!!
          -10-
وأعودُ إلى بادية الشعرِ
رأيتُ سماءً حُبلى بالزهرِ، ويزهرُ
صاحبُكَ الأسمرُ
يُزهرُ حرفُ الحرفِ، وتزهرُ
مرآةٌ قفزَ الماضي في حضرتها لغدٍ
يُزهرُ فيهِ النعناعِ
وسيفُ هوانا
والعالَمُ قال: كذلك يُزهرُ
فأقمْ لي اسماً سحريّاً في الماءِ
لأدفعَ عن لغتي
ما ليس أرومُ صداه!!
وادفع عن جبهةِ رسمي عَرَقاً في الغيمِ
يجيءُ كماء الحلمِ إلى المقلاةْ

أتقلّى
أتحلّى
أو أصبِرُ
أو أمضي ليديكَ
وأربكُ ريح النسيانِ
أنا النسيانُ
ولي شجري وأساه!!

          -11-
عشرون ربيعاً
عشرُ قصائدَ منذ تواطأ قلبي
وتمادى في العصيانِ
ترجّل عن شهوتهِ في الطينِ
تخلّى عن أرجوحتهِ الأولى، وتألّقَ
هل يكفي النار الصفةُ العذراءُ
لكي تتفتّقَ عن جملتها
وتذيبَ سؤاليَ عن مرآةٍ مُطلقةٍ
في بطن الحوتْ؟!
هل يكفي أن أبلغَ مرثاتي
وأموتْ؟!
الليلُ تكوّرَ خلف وجودي
والماءُ تكوّرَ
أصحابي في التابوتْ
فارسمْ لي دمعي
وارسم لي قلباً للبوحِ
لأحجزَ مِقعدِكَ الذهبيَّ
وأقبضَ معدنَ روحِكَ في كلماتي

عشرونَ ربيعاً
عشرُ قصائدَ منذُ تواطأ قلبي
وأنا ألمحُ فيكَ ثلاثَ خصالٍ
عدّدها الشعرُ الزاخرُ بالمُتخيَّلْ
لا أكذبُ
لا أتجمّلْ
* قُدرةُ عينِ الصقرِ على تبطين الماءِ
وحَمْلِ الأسماكِ على منقار الريحْ
* تصفيح الماءِ...،
ولي ثالثةٌ من ملكوتِ اللهْ
قل لي: كي أتصفّحَ فيكَ المتنبي
والأخطلْ
هل ينبسُ بالحبِّ الشاعرُ
إذْ تُجرحُ في الممشى قدماه!!

          -12-
حَجَرٌ قالَ: أحكِّك ما فيهِ
فينبتُ تمثالٌ من مرمرْ 
خيطُ دخانٍ من مرجان الأرضِ يئنُّ
ونفْسٌ من حبر الروحِ دحاها
قافيةٌ تتنفّسْ
ألقتْ في أنسجةِ الأسماءِ حياةً أولى
فانتبهَ الولدُ إلى مرعاها
صارَ النردُ طريقتنا للأرضِ
وصارَ دليلي في حضرتها
وانتبهَ الولدُ النائمُ في البيتِ لسُمْرتِها
وانتبهَ الماءْ
كلُّ الأسماءِ هنا تسعى بين يديهِ
وتحترفُ الإصغاءْ
امرأةٌ من شجرٍ
وحريرٍ في الشعرِ
وسيدةٌ لسريرِ خطاه!!

          -13-
كنّا في الزمنِ الأوّل ليلاً
نقتبسُ الشعرَ من الشارعِ
ثمَّ نُداري هيأتَهُ في الظلِّ، وننأى
كنّا نبحثُ عن مأوى
في اللغة البِكرِ
وكنّا نُسْلِمُ مائدةَ الفجرِ إلى الوزنِ
وننأى إذ ينأى السُّكَّرُ في فنجانِ القهوةِ
والقهوةُ مُرَّةْ
أو ينأى الحيُّ إلى الحيِّ
ونفتحُ إبريقَ النحوِ على شكل دُعابةْ
أو نشرحُ قِسطاً من راحتنا
حذف الحرفِ الزائدِ
تحلية الليلِ بنكهتنا
وهجوم الأضراسِ على الأضراسْ
فيئنُّ المطرُ

الصمتُ هوَ الحذرُ
والناسُ يعُدُّونَ النجمَ ملاذاً
نتوسَّعُ في الألفاظِ
ولا أحدُ

الحبُّ هوَ الأبدُ
ونعودُ كما النّورُ إلى قنديلٍ
علّقهُ الصوفيُّ على مَهَلٍ
ليغنّي في خلوتهِ الأولى: يا صمدُ
الشعرُ هوَ الوترُ
والضوءُ النَّهَرُ
والحانةُ مُغلقةٌ
كنّا قبل الزغَبِ الأخضرِ ننمو
والحارةُ تنمو
والجامعةُ الأولى في مكتبة اللبديِّ "1"
نصافحُ فيها الوقتَ وننمو
والحبُّ كذلك ينمو
 يجمعنا "2" النقدُ
الفلسفةُ
السّردُ
اللغةُ
الشعرُ
ويجمعنا سِرُّ حداثتنا المبنيّ على قلقٍ
وكذلك ننمو

في الصّحفِ الصفراءَ أرى خبطَ يدٍ
فأعودُ إلى مائدتي أتذكَّرْ
أشغَلَنا الوزنُ كثيراً
واللغةُ البكرُ
وتصفيحُ الماءِ
ووشوشةُ الطيرِ إذا عصفَ الفكرُ
وأعود إلى منزِلِنا القشِّ
فيدنو العسكرْ
أتذكَّر
كان الواحدُ منا
ينأى لو هَمَزَ الذئبُ بجملتهِ
أو نبشَ الشاعرُ فيناً
ذوقاً أصفرْ
أو خلطَ الناقدُ بالمفهومْ
أتذكَّرْ
كان الليلُ يدومْ
يمنحنا قهوتَهُ
وينادي حيَّ على وجعٍ معلومْ
في أوّل إيقاعٍ للشعرِ
قرأتُ قصائدَهُ
فعرفتُ بأنّي أتناهى معْ توأمِ روحي
وعرفتُ بأنَّ مجازي في حضرتِهِ أشهى
وبأنَّ العالمَ أبهى
وبأنَّ الدُّنيا تفتحُ لي باباً للسَّيْرِ
على الطرقاتْ
وبأنَّ الكلماتْ
تتنزَّلُ من وحي القيّومْ

في أوّلِ إيقاعٍ للشعرِ نثرتُ الحنطة
قلتُ صديقي أجملُنا
وصديقي لا يركنُ للاوعي فقطْ
ينبشُ في الحرفِ
ويقطعُ ميلاً في السّعي وراء الصورةِ
يُدخِلُها في معجمهِ
ويروقُ لها أن تتأمّلَهُ
ويروقُ لهُ
أنْ تصفو حين يؤثّثُ سيرتها ليلاً
وتفرُّ على عجلٍ شفتاه!!

          -14-
وسألتُ طريقاً يفصِلُ بين يدي
وخروجي من قفصِ الوحدةِ: أين أرى
حَجَلاً يقفزُ من شرفتهِ
وينامُ على فُرُشٍ من إستبرقِ غيبٍ
وحريرٍ؟!
كمُخيِّلةٍ تسعى بين الحبِّ وبين النجوى  
تُدْهَشُ منهُ الوجنةُ حين يغارُ الدمعُ
وأين أنا من رقصة طيرِ البجعِ التائهِ
في الملكوت؟!
أينَ حوارُ الأنثى
والشعراءُ التُّوتْ
ذُهلوا حين مسحتُ قميصي
بقميص صديقي
ونأينا بالشعرِ ونجواه!!

          -15-
حين تقابلنا ذاتَ صُداعٍ شعريِّ
قالَ: صديقي الأسمرُ لي
وصديقي لي
وتعانقنا
فانصرفَ الكدرُ
ذهبَ الناسُ إلى شُغُلٍ
وانصرفوا
فانتصرَ الحجرُ
وذهبنا نحملُ من أصص الوردِ يقيناً
فارتبكَ الماءُ
ومرَّ المعنى في الصوفيِّ
حَفَفْنا سطحَ جدارٍ في الشارعِ
ثمَّ عَرَجنا
فالتفتَ الشعراءُ
فقلنا: أينَ أنايَ
وأينَ أناه...؟

قالت سيّدةٌ في النصِّ أنا السببُ 
قالت جاريةٌ تخفضُ للريح جناحاً
مرَّ العشّاقُ
ومرَّ الحُسّادُ
ومرتْ أضغاثُ الأحلامِ
وقالتْ: مرَّ الراثون ولَمْ يثبوا

وعدونَا ثَمِليْنِ بماء الشعرِ
فذابَ السُّكَّرُ
وانفرطَ الرُّمانُ
وما أحلاه!!

الله
الله!!
خسِروا حُجّتَهمْ وانطفأوا
ذهبوا في عينِ الماءِ وما صَرفوا
اسماً ممنوعاً في معناه!!

يا الله
هل هذا وحيٌّ..؟!
أعلمُ أنَّ الوحيَ انقطعَ
ولكن ماذا اسمّي البندقَ في المقلاة!!

          -16-
وأهيئَ لي في النصِّ جناحاً
وأقولُ صديقي الشاعرُ ينقصني
وأنا أنقُصُهُ
وكلانا باللغةِ البكرِ يعيدُ الصورةَ عذراءَ
ويبحرُ في الحكمة نحو البيتِ
وفي أعلاه!!
لؤلؤةٌ حمراءُ وتنكسرُ
فنعيدُ الأحمرَ للأزرقِ
والزرقةَ في مجراها للأحمرِ
والبحرَ إلى منبعهِ الحُرِّ
فتخضرُّ الدّنيا
نحن الأوابونَ إلى المعنى
والمعنى حَجَرٌ في الفجرِ نُحكِّكُه
ليعود الضوءُ إلى مِخْدعهِ من ثقبِ البابِ
أقولُ: إذا غاب صديقي الشاعرُ
من لي في عتمةِ هذا البيتِ سواه!!

وصديقي قَلَّ يجيءُ
وأعذرُهُ
فالشارعُ يخضرُّ على رِدْفَيهِ ترابُ المعنى
إنْ داس عليهِ
فيأتي ممتلئاً  بالزهر، ويُزهرُ
والمقعدُ ينفقُ ساعاتٍ
بحثاً عن جُبّتهِ، ليراه!!
المِقعدُ في مائدة الشعرِ....،
يئنُّ...
يئنُّ...
يئنُّ
ولا يُلقي بالاً لسواه!!

يا الله
هل هذا وحيٌّ..؟!
أعلمُ أنَّ الوحيَ انقطعَ، ولكنْ
من أينَ يجيءُ الشعرُ الصافي
إنْ لم يكُنِ الوحيُ رفيقاً
في ما أملاه؟!!!...
_____________
* مكتبة البيان ** أمين عودة، خلدون أبو الهيجاء، منير الخطيب،
عصام أبو عيّاد، نزار اللبدي، مُهند ساري، وأحمد الخطيب



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x